مجدّدًا، يجتمع مجلس النواب غدًا الجمعة لمناقشة رسالة وجّهها إليه رئيس الجمهورية ميشال عون، في خطوةٍ باتت مكرَّرة، لكنّها هذه المرّة تنطلق من قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رفع الدعم عن المحروقات، وتداعياته السلبيّة على كلّ المستويات، لتدعو البرلمان لاتخاذ الإجراء أو القرار المناسب.
صحيح أنّها ليست المرّة الأولى التي يوجّه فيها الرئيس عون “رسالة” إلى البرلمان، بعدما أصبحت “الرسائل الرئاسية” أمرًا روتينيًا، لا سيّما أنّ هذه الرسالة تُعَدّ الرابعة من نوعها، في فترة وجيزة وربما قياسيّة، بعد سلسلة رسائل تفاوتت مواضيعها بين تفسير الدستور، والتدقيق الجنائي، وصولاً إلى ظروف تشكيل الحكومة، أو ما اعتُبِر “الشكوى” من أداء رئيس الحكومة المكلّف السابق سعد الحريري.إلا أنّ الرسالة تأتي هذه المرّة في ظروف مختلفة، ولعلّها تبدو “الخيار الأخير” لرئيس الجمهورية، بعد محاولته دعوة الحكومة للانعقاد لمعالجة تداعيات قرار حاكم مصرف لبنان، الأمر الذي اصطدم مرّة أخرى برفض رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، الذي يتمسّك بـ”النطاق الضيّق” لتصريف الأعمال كما يقول، رافضًا “التطبيع” مع الوضع القائم، بدعوة الحكومة إلى الانعقاد، تحت أيّ ظرف.
“رفع عتب”؟انطلاقًا من هنا، ثمّة من يضع خطوة رئيس الجمهورية في إطار “رفع العتب” ليس إلا، فهو مع الفريق السياسي المحسوب عليه، لا يريد أن يظهر “متفرّجًا” على قرار “رفع الدعم” الذي يعتبره مصوَّبًا نحوه، ومحاولة متجدّدة لضرب “العهد”، من دون أن يحرّك ساكنًا، وبعدما بدا غير قادر على إحداث أيّ “خرق”، يتماشى مع الصلاحيات الممنوحة له في الدستور، علمًا أنّ الارتباك الذي حصل على خط هذه القضية، خلق أزمة مضاعفة تشهد عليها “فوضى” محطات الوقود.لذلك ربما، يقول العارفون، أراد رئيس الجمهورية “رمي الكرة” في ملعب الأفرقاء الآخرين، وبما أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال رفض “التجاوب” مع مسعاه هذا، لم يكن أمامه سوى البرلمان، ليتوجّه إليه لمناقشة الوضع القائم، والسبل المتاحة لمعالجته، رغم أنّ هناك من يتساءل عن الدور الذي يمكن للبرلمان أن يلعبه أصلاً، من دون تجاهل التجارب السابقة للرسائل الرئاسية التي لم تقدّم أو تؤخّر في المعادلة.في مطلق الأحوال، يؤكد العارفون أنّ الهدف الفعليّ من الرسالة الرئاسية يبقى متناغمًا مع المعارضة التي يبديها الرئيس عون، ومن خلفه “التيار الوطني الحر”، لقرار حاكم مصرف لبنان، الذي وصفه الوزير السابق جبران باسيل مثلاً بـ”الانقلاب”، واعتبرته أوساط مقرّبة من الرئاسة “مخطّطًا” غير بريء لضرب “العهد”، وربما الدفع باتجاه المزيد من الفوضى، وإعادة الزخم للحراك الشعبيّ، وهو ما كان الرئيس له بالمرصاد.الحكومة أولاً!لكن، أمام كلّ ذلك، ثمّة من يسأل، ما المُنتظَر أو المتوقَّع من البرلمان، نتيجة مناقشة رسالة رئيس الجمهورية؟ هل من إجراء أو قرار يمكن أن يتّخذه مجلس النواب؟ هل يستطيع أن “يُبطِل” قرار حاكم مصرف لبنان مثلاً؟ وهل يقبل أن يحلّ مكان الحكومة التي رفضت الانعقاد، فيتحوّل إلى سلطة تنفيذية، لا تشريعية فحسب؟الأرجح أنّ شيئًا من هذا لن يتمّ، بل إنّ الأكيد، وفق ما تقول مصادر متقاطعة، أنّ رئيس الجمهورية لن يحصل من البرلمان على ما رفض رئيس حكومة تصريف الأعمال منحه إياه، كما أنّ الانقسام داخل المجلس لن يتيح استصدار قرار بإباحة استخدام ما تبقى من احتياطي لدى مصرف لبنان، عبر “تشريع” سبق أن قال حاكم مصرف لبنان إنّه “السبيل الوحيد” لتجميد قراره “رفع الدعم” عن المحروقات.لعلّ أكثر السيناريوهات “واقعيّة” يتمثل في أن يُصدِر البرلمان “توصية” بالإسراع بتشكيل الحكومة، بناءً على موجة التفاؤل التي تمّ ضخّها في الآونة الأخيرة، والتي تبقى غير مكتملة، بمُعزَل عن مدى دقّة التسريبات الإعلاميّة عن بعض العقد التي تحول دون التأليف، وذلك لأنّ القاصي والداني يدرك أنّ الحكومة هي “مفتاح” خارطة طريق الحلّ، والأساس الذي يمكن الانطلاق منه لمعالجة كلّ الأزمات المتفاقمة في البلاد.الحكومة أولاً. لعلّ هذه الرسالة الأساسية التي يمكن أن يخلص إليها البرلمان، في حال نجح في تأمين نصاب الجلسة، وهو مرجَّح، وناقش رسالة الرئيس. قد يخرج من يؤيّد حديث الرئيس عن التداعيات السلبيّة لقرار رفع الدعم، ويخرج في المقابل من يتفهّم أنّ القرار أتى على طريقة “آخر الدواء الكيّ”. لكن المعالجة لا تتمّ سوى بتشكيل الحكومة، التي قد تكون “المسكّن الوحيد” المجدي، حتى إثبات العكس!