سألوا ربّ العائلة عن صحة أولاده فأجابهم أنهم أمامهم. أنظرو وأحكموا ولا تسألوا. هكذا هي الحال مع الرئيس نجيب ميقاتي، الذي كان يعرف قبل أن يتلقف كرة نار التكليف بيديه ماذا يفعل، وماذا يريد أن يفعل. يُسأل عن صحة التأليف فيكتفي بالإشارة إلى أن الوقائع تتحدّث عن ذاتها من دون حاجة إلى الكثير من الإضافات، التي لا تقدّم ولا تؤخّر بشيء بالنسبة إلى المسار التأليفي. وعندما يسمع ما يتمّ تسريبه من معلومات مغلوطة عن المفاوضات الجارية بينه وبين رئيس الجمهورية، وهي في مجملها من تأليف وتلحين بعض الغرف السوداء، يضحك في سرّه.
فإجتماع الرئيس المكّلف مع رئيس الجمهورية هو إجتماع ثنائي، لأنهما هما الوحيدان المعنيان بأمر تشكيل الحكومة، وهما لا يسربان إلى الإعلام سوى ما يصرحان به عقب كل إجتماع، فمن أين تأتي كل هذه الاخبار التي تغوص في أدّق تفاصيل المفاوضات، المفروض أن تكون سرّية مبدئيًا، وهذا ما يؤمن به الرئيس ميقاتي، الذي يردّد حتى أمام أقرب المقربين منه “إستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”، ويحرص على أن يبقى ما يتمّ تداوله في المكتب الرئاسي في القصر الجمهوري ملكًا لصاحبي الحديث، وأن تكون المجالس بالأمانات. فإذا كان كل من الرئيسين عون وميقاتي الحريصين على أن يأكلا عنبًا وليس قتل الناطور لا يسربان تفاصيل المفوضات إلى الخارج، فمن أين تأتي كل هذه المعلومات، التي يُقصد منها إحداث بلبلة تُضاف إلى الأزمات الكثيرة التي يعيشها اللبنانيون، الذين هم في أمس الحاجة إلى بصيص من أمل وليس إلى من يصبّ الزيت على النار، الا اذا كانت ” الاذان والعيون المخفية او المستعارة ” تتقصد التسريب المجتزأ او المغلوط او الملفّق لاحداث البلبلة.
في المقابل، فإن سرّية التفاوض، وهي من شروط النجاح، لا تعني عدم التشاور مع مختلف الأطراف السياسية، وعدم الأخذ برأي الناس، الذين اصبحت لهم الكلمة الفاعلة، بل على العكس فالتشاور الصادق والشفاف والصريح مطلوب بالقدر الكافي الذي يمكن أن يكون حافزًا لدفع المفاوضات، وتثمير الإيجابيات، وليس العكس. فالوضع اليوم لا يسمح بالكثير من “القيل والقال”، وليس هناك متسع من الوقت لإضاعته في التفتيش عن “جنس” الحقائب الوزارية والوزراء.
فتغيير الأحصنة لا يتمّ في منتصف النهر، وبالتالي لا يمكن أن تسير عربة يشدّها حصانان، كل في إتجاه معاكس.
البيان الذي صدر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية بالأمس أوضح ما يلتزم به الرئيس عون من معايير، وردّ على “الفبركات” التي لا همّ لدى أصحابها سوى دكّ إسفين بين الرئيسين، وهذا ما لا ينجحان به. وكذلك فعل الرئيس ميقاتي الذي أكد سعيه لتشكيل حكومة يرضى عنها الشعب اللبناني، وقدّر لرئيس الجمهورية موقفه الإيجابي، وكأنه اراد أن يقول للمصطادين في المياه العكرة: “خيطوا بغير هالمسلّة”.