لبنان ساحة مستباحة أم مكشوفة؟…..

21 أغسطس 2021
لبنان ساحة مستباحة أم مكشوفة؟…..

تطورات الساعات الأربع والعشرين الماضية أكدّت المؤكد، وأثبتت بالعين المجرّدة وبما لا يقبل الشك أن لبنان ليس دولة بالمعنى المتعارف عليه دوليًا، بل هو ساحة مباحة ومستباحة ومكشوفة. 
فإسرائيل تستبيح أجواءه من دون أن يرّف لها جفن، ولا تتردّد في إستخدامها كمنصّة لتوجيه صواريخها نحو بنك أهدافها في سوريا، وقد جاءت هذه الخطوة الإستفزازية بالأمس عقب تصريح ناري للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله تحدّى فيه الولايات المتحدة الأميركية التي تفرض حظرًا على البترول الإيراني، فأعلن عن إستقدام باخرة محمّلة بالنفط الإيراني ستصل إلى لبنان قريبًا، وقال: “أعرف أننا أمام تحد كبير وأمام ما يشاع وما يثار من مخاوف وتهديدات مبطنة حتى الآن لا يوجد ‏شيء رسمي. نحن لم يصلنا حتى الآن تهديد رسمي أنه والله مثلا الأمريكان ماذا سيفعلون، أو ‏الإسرائيليين بماذا يقومون. هناك كلام يكتب في بعض وسائل الإعلام، أنا أود أن أقول أن السفينة منذ اللحظة التي ستبحر فيها بعد ساعات، وستصبح في المياه سوف تصبح ‏أرضا لبنانية. السفينة الآتية من إيران والتي ستبحر بعد ساعات أقول للأمريكيين وللاسرائيليين هي أرض ‏لبنانية. نحن أصرينا على هذا الخيار لأننا قلنا لا نستطيع أن نتحمل مشاهد الإذلال لشعبنا، لا على طوابير ‏الأفران، ولا على طوابير المستشفيات، ولا على طوابير محطات البنزين، ولا في ظلام الليل وحرارة الصيف”. 

يجب أن ننتظر ونراقب المسار الذي ستسلكه الباخرة المحمّلة مازوتًا، والتي أبحرت من إيران، ويجب أن نراقب وننتظر ردّة الفعل الأميركية، وإذا ما كانت ستتخذ من هذه الخطوة ذريعة لإعادة إثبات وجودها كقوة فاعلة في اللعبة الدولية والإقليمية بعد الكفّ الموجع الذي تلقته في أفغانسان، أم أنها ستكتفي بالمراقبة لأن عينها في الوقت الحاضر على مفاوضاتها مع الإيرانيين حول الملف النووي، وهي تعتبر أن هذا الملف هو من أولوياتها. 

أما بالنسبة إلى إسرائيل التي تستبيح سماء لبنان ومياهه وبرّه بإستمرار فإنها لم تنتظر كثيرًا حتى وجّهت رسائلها الجوّية، وهي التي أصبحت خبيرة في قراءة ما بين سطور تهديدات السيد نصرالله، وهو الذي تقصدّ توجيه تهديدات مباشرة إلى كل من أميركا وإسرائيل معًا عندما قال “إن السفينة الآتية من إيران والتي ستبحر بعد ساعات أقول للأمريكيين وللاسرائيليين هي أرض ‏لبنانية”، وهذا يعني كما فهمته كل من واشنطن وتل أبيب أن أي إعتداء على هذه السفينة هو إعتداء مباشر على لبنان، وهذا الأمر يدخل لبنان من جديد في دوامة ردود الفعل وهو لا يحرّك ساكنًا، بإستثناء تقديمه شكوى إلى مجلس الأمن، مع ما قد يترتب من نتائج في حال تمّ إستهداف الباخرة الإيرانية، “التي هي أرض لبنانية”، أي أن “حزب الله”يصبح مجبرًا على الردّ على مصادر الإعتداء. 
أمّا إذا تمكّنت الباخرة الإيرانية من الوصول بسلام إلى الشواطىء اللبنانية أو السورية من دون أن يعترضها أحد فيكون “حزب الله” قد أصاب بحجر واحد أكثر من عصفور في آن. العصفور الأول هو ضرب الهيبة الأميركية التي إهتزّت في أفغانستان. أمّا العصفور الثاني فهو قدرة الحزب على مدّ السوق اللبنانية بما تحتاج إليه من مادتي المازوت كمرحلة أولى، والبنزين في المراحل اللاحقة، بعدما أثبتت الدولة اللبنانية عجزها عن تأمين حاجة الشعب اللبناني، الذي يذّل ألف مرّة في اليوم القصير أمام محطات الوقود. 
هذا في الشقّ المتعلق بالخيارات الإستراتيجية. أمّا في الخيارات اللبنانية فإن كلام السيد نصرالله لاقى، كالعادة، إنقسامًا في الآراء بين مرّحب ومؤيّد وبين معارض ورافض. وهذا الإنقسام ينسحب على كل شيء تقريبًا، حتى على الأمور التي تحتاج في هذا الظرف المصيري إلى وحدة في الموقف أقله بالنسبة إلى تشكيل حكومة “خشبة الخلاص”. وهذا ما يجعل لبنان، ومعه أبناءه، لقمة سائغة في أفواه الذين إعتادوا إجترار “البطولات الوهمية”.