ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، عاونه المطران سمير مظلوم، المونسنيور وهيب كيروز ورئيس مزار سيدة لبنان منسق الدائرة البطريركية الأب فادي تابت، بمشاركة القيم البطريركي في الديمان الأب طوني الآغا وأمين سر البطريرك الأب هادي ضو.
حضر القداس رئيس حركة “حق وعدالة” جورج بطرس وعدد من الراهبات والشبيبة الأنطونية في غزير والخالدية وجمع من المؤمنين.بعد الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “المطلوب واحد” (لو 10: 42)، جاء فيها: “ان مرتا ومريم جمعتا بين سماع كلمة الله والانصراف الى العمل. سماع الكلمة يولد الايمان، والايمان يحرك على العمل الصالح والخلاق والمحب في جميع قطاعات الحياة: الكنسية والمدنية والسياسية. لم يوجه الرب يسوع الى مرتا ملامة، لانها تنصرف الى واجبات الخدمة والضيافة وهي ضرورية، بل أظهر أهمية سماع كلام الله، كما فعلت مريم، من اجل تقديس العمل، وتقديس الذات فيه. ذلك أن تغذية الجسد ضرورية للحياة الزائلة، أما تغذية الروح بالاستماع الى الكلمة الالهية فضرورية للحياة الأبدية. نجتمع معا في هذه الليتورجيا المقدسة حول مائدة المسيح الرب، مائدة كلمته لاحياء ايماننا وانارة عقولنا، ومائدة جسده ودمه لبث الحياة الالهية فينا، وتقديس نفوسنا. اننا نصلي كي ندرك هذه الحقيقة المحيية. اننا نرحب بكم جميعا ونحيي معنا الراهبات الانطونيات والشبيبة الانطونية من مدرستي غزير والخالدية وقد قاموا مشكورين برسالة طيلة خمسة أيام في رعايا المنطقة”.
وقال: “يا لتعاسة شعب، المسؤولون السياسيون عنه يهملون اهمالا كاملا سماع كلام الله، ولا يصغون إلا الى مصالحهم وحساباتهم. هؤلاء يقول عنهم القديس بولس الرسول: “بطونهم آلهتهم” (في 3: 19). هنا تكمن مأساة شعب لبنان وانهيار أخلاق المسؤولين والدولة. فبعد سنة وشهر بات واضحا للجميع- رغم الوعود الفارغة- أن المسؤولين في لبنان لا يريدون حكومة، تاركين الشعب يتدبر أمره بيده. وهو يفعل ذلك ولو بالاذلال، ويحافظ على ما لم يحافظوا هم عليه. وإذا سألتهم: لماذا؟ فلا يعرفون! ولذا، يتبادلون التهم ليلا ونهارا. ان كلمة الله تصرخ بكم، أيها المسؤولون: أوقفوا التلاعب بمشاعر الشعب وتعذيبه. أوقفوا العبث بمصير الوطن والدولة، واستنزاف تشكيلة وزارية بعد تشكيلة، واختلاق شروط جديدة كلما حلت شروط قديمة. ضعوا حدا لنهج التعطيل والسلبية ودرب الانتحار. اننا ندين التزامكم تصفية الدولة اللبنانية بنظامها وميثاقها ودورها التاريخي ورسالتها الإنسانية والحضارية. لقد بات واضحا أنكم جزء من الانقلاب على الشرعية والدولة، وأنكم لا تريدون لبنان الذي بناه الآباء والأجداد أرض لقاء وحوار، وأنكم لا تريدون حكومة مركزية بل تتقصدون دفع الشعب عنوة ورغما عنه إلى إدارة شؤونه بنفسه، وإلى خيارات ينأى عنها منذ خمسين سنة. كصدى لهذا الصوت، نطالب وما زلنا بضرورة عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية منظمة الأمم المتحدة من أجل إنقاذ لبنان بتطبيق قرارات مجلس الأمن غير المطبقة إلى الآن، وتنفيذ إتفاق الطائف بروحه وكامل نصوصه، وإعلان حياد لبنان وفقا لهويته الأساسية، وتنظيم عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين. “المطلوب الواحد” منكم ايها المسؤولون السياسيون، إلى جانب سماع كلام الله، أن تحبوا لبنان وشعبه، وتحفظوا الولاء له، دون سواه، وتضحوا بمصالحكم الخاصة في سبيله”.أضاف: “إن شعب لبنان، وإن جريح، سينتفض ويقاوم هذه النزعة التدميرية، ويستعيد كرامته وكرامة وطنه كما فعل كل مرة. ولن يدع الشعب أي طرف مهما كان، ومهما استقوى واستبد، أن يبدد تضحيات الأجيال ويطعن بأرواح الشهداء. وما يؤلم شعبنا أنه غالبا ما يحرر قرار الدولة من دون دعم دولته له، بل هي نفسها تتواطأ أحيانا عليه وعلى شرعيتها مع قوى غير شرعية ومع محاور خارجية. أما نحن فنوكد من جديد دعمنا للثورة، وحرصنا على الشرعية. دعمنا الثورة بما تمثل من أمل لتجديد لبنان وتغيير الاعوجاج، وتفتح طريق تحمل مسؤولية الوطن أمام الأجيال الطالعة والنخب. وحرصنا على الشرعية لكونها تعبيرا عن وحدة الكيان اللبناني وعن ثوابت لبنان التاريخية. إن شعلة الثورة ما زالت ملتهبة وتحتاج الى شد روابط وحدتها وتصويب اهدافها. ولكن بالمقابل أين الشرعية من الثوابت الوطنية والمؤسسات؟ أين دورها في الحفاظ على الدستور وسيادة لبنان؟ أين تمسكها باستقلالية القرار الوطني؟ أين محاولاتها لمنع تفتيت الدولة؟ أين مساعيها لإنقاذ الشعب؟”.وأردف: “لقد بات واضحا أن الغاية من ترك الدولة شعبها يتعذب، ويستجدي مستلزمات الحياة، ويجوع، في دولة القضاء فيها تسيس وتمذهب وتعطل في أفظع جريمة في تاريخ لبنان متمثلة في إنفجار مرفأ بيروت (4 آب 2020)، هي دفع الأجيال اللبنانية الجديدة والعائلات إلى الهجرة، وتفريغ المجتمع من طاقاته الحية، وضرب توازن الشراكة الوطنية بغية وضع اليد على البلاد. لكننا نؤكد ان الشعب اللبناني مصمم على مواجهة التحديات، وهو بانتظار عودة الدولة إليه وإلى ذاتها، يتجه نحو تنظيم حياته في مناطقه من خلال المؤسسات والأطر القائمة ومرجعياته الوطنية والاجتماعية والروحية، ومن خلال دورة اقتصادية تؤمن له الغذاء والدواء والمحروقات والكهرباء وجميع مستلزمات البقاء والصمود. وإذ تقوم المناطق بهذا الدور الموقت، فهي تعمل على تمتين وحدة لبنان وعلاقاته العربية والدولية، والشعب من جهته ساع أبدا إلى الحفاظ على وجوده على أرض الوطن في قريته ومنطقته ومدينته حتى يستقبل الدولة الجديدة والزمن الجديد”.وختم الراعي: “معا، في هذا السياق، أود توجيه عاطفة شكر الى كل الذين في لبنان وبلدان الانتشار يمدون يد المساعدة للبنانيين في حاجاتهم المتنوعة. وأوجه نداء إلى جميع الميسورين والمتمكنين، خصوصا الذين يدينون لهذا المجتمع بثرواتهم التي جنوها بعرق الجبين، أن يتضامنوا مع المواطن والوطن، ويساهموا بتمويل هذا النشاط الاقتصادي والاجتماعي. وإني على يقين من أن هذه الفئات الميسورة، التي ساهمت في رفع اسم لبنان، ستقف إلى جانب الشعب في كل مناطقه. يا رب، أنت تعلمنا في انجيل اليوم أن المطلوب الواحد في الحياة هو سماع كلام الله. هبنا نعمة الثبات في سماعه لكي يستنير كل عمل نقوم به، فيأخذ عزيمته وقيمته ومعناه. وإليك نرفع المجد والتسبيح أيها الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.