من المتوافق عليه ان احدى عوامل عدم حل الازمة الاقتصادية اللبنانية يكمن في رهان قوى داخلية وخارجية على الانتخابات النيابية، فبعض هذه القوى تراهن على ان بقاء الازمة يساهم بتغيير المشهد، ما يقلب التوازنات، في حين تراهن قوى اخرى على تكريس التوازنات الحالية وفرض شروطها في اي تسوية مقبلة.
وليس خافيا ان الولايات المتحدة الاميركية هي احدى هؤلاء المراهنين ولعلها تراهن على تحقيق مجموعات المجتمع المدني نتيجة مقبولة في الانتخابات وبالتالي حجز موقع جدي لهذه المجموعات داخل النظام اللبناني يمكنها من القضم المستمر في السنوات المقبلة.
لكن عقبات كثيرة تقف امام تحقيق هذه المجموعات نتيجة جدية في الانتخابات، ففي حين يتوقع بعض المتخصصين فوزها بما لا يزيد عن اربعة او خمسة نواب، يتوقع آخرون كتلة لا تقل عن خمسة عشر نائبا، في حين ان الاميركيين يطمحون لكتلة كبيرة من عشرين نائبا.
اذا، ما من شيء محسوم، لكن الاكيد ان “الثورة” ككتلة شعبية باتت جزءا لا يتجزأ من الحياة السياسية اللبنانية ولا يمكن تخطيها، اقله حتى حصول الانتخابات، التي من الممكن ان تشكل مقدمة جدية لتطوير الحراك الشعبي نفسه او نقطة نهاية للموجة الشعبية التي بدأت في ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩.
من ابرز تحديات مجموعات المجتمع المدني التوحد، وهذا يعتبر شرطا اساسيا لخوض انتخابات نيابية متكافئة، ويبدو ان هذا الشرط لم يتحقق حتى اللحظة بالرغم من الجهود الكبرى التي تقوم بها مجموعة من النواب المستقلين المستقيلين من المجلس النيابي.
وبحسب الخبراء فإن توحد المجتمع المدني سيكون كفيلا بتحويل الكتلة الشعبية المتعاطفة مع الثورة والراغبة بالتغيير الى كتلة ناخبة جدية قادرة على احداث الفرق في ظل التوقعات بتراجع نسبة تصويت الحزبيين الممتعضين من طريقة ادارة احزابهم للازمة.
الشرط الثاني وفق المصادر ذاتها، هو تجهيز ماكينة انتخابية حقيقية، فالانتخابات ليست خطابا سياسيا فقط بل ماكينة قادرة على تسييل الواقع الشعبي الى اصوات في صناديق الاقتراع، وهذا ما تجهله قوى التغيير الجديدة، او اقله ما يظهر انها تجهله حتى اللحظة.
وترى المصادر ان حصول انتخابات مبكرة مثلا سيكون، وبعكس ما يعتقد كثر، لمصلحة قوى السلطة والاحزاب التقليدية، اذ ان مجموعات المجتمع المدني لم تستطع حتى اللحظة التوحد ولم تقم بأي خطوة حقيقية في اطار تكوين ماكينة انتخابية واحدة على مختلف الاراضي اللبنانية.
وتشير المصادر ان عاملا اساسيا آخر سيلعب دورا محوريا في وضعية المجتمع المدني في الانتخابات المقبلة، هو الواقع الاقتصادي والخدماتي حينها، فالانهيار سيساهم في زيادة الغضب الشعبي على السلطة، اما المعالجة، وان كانت آنية، فستمكن بعص الاحزاب من ترميم واقعها…