وصلنا إلى مرحلة تقسيم الدواء

25 أغسطس 2021

ذكر موقع “الحرة” أن الأطباء شخّصوا إصابة ليان، 29 عاماً، بمرض سرطان الثدي في وقت مبكر، إذ تبين أنه في المرحلة الثانية، مما يعني احتمالاً كبيراً في الشفاء منه بعد تلقي العلاج، لكن عوامل أخرى فرضت نفسها لسوء حظ المريضة الشابة.

أنهت ليان المراحل الأولى من علاجها، وبلغت مرحلة تناول دواء الحماية المناعية، الذي يقي من عودة المرض وانتشاره مجدداً، وهي مرحلة بالغة الأهمية في رحلة المريض نحو الشفاء، لكنها تفاجأت بانقطاع الدواء من الأسواق اللبنانية، الأمر الذي يهدد بالإطاحة بكل الجهود والعلاجات التي تلقتها سابقاً.ليان اليوم باتت عرضة لتدهور حالتها، مع خطر انتقال المرض من المرحلة الثانية إلى الثالثة، حيث ينتشر في الجسم، مما يعني موتاً محتماً بعد سنوات معدودة من الصراع مع المرض.

هذا الواقع تعرفه ليان جيداً عبر طبيبها، وتعيش ضغوطه ومخاوفه، لاسيما أن المشكلة لا تنتهي مع توفر الدواء، إنما تكمن في التأخير الحاصل حالياً بتلقي العلاجات المناعية، وقد بات تأثيرها أمراً واقعاً، إذ إن ذلك التأخير يقلل حتماً من فرص النجاة والانتصار على المرض.وتعبر ليان عن حالة آلاف مرضى السرطان في لبنان، أطفال وبالغون على حد سواء، ممن يعانون انقطاعاً حاداً في الأدوية الخاصة بحالاتهم، وذلك على هامش الأزمة الاقتصادية الأسوأ في تاريخ البلاد، التي تنعكس على كافة القطاعات والمجالات، وأبرزها القطاع الصحي والطبي الذي يعاني نقصا حاداً في الأدوية والمستلزمات الطبية.
الخطورة باتت أمرا واقعاً بالفعل، وفق ما يؤكد هاني نصار، رئيس جمعية بربرا نصار المعنية بمساعدة مرضى السرطان، ويضيف “نحن نتحدث اليوم عن مجزرة تحصل أمام الجميع، وحين سميتُ المشكلة بالإبادة الجماعية.أزمة تهدد معدلات الشفاء
ويروي طبيب الأورام والدم لدى الأطفال، مؤسس جمعية Kids First، بيتر نون أنه لم يكن يحمل هماً أو مخاوف من علاج مرضى سرطان الأطفال في لبنان ولا بنسبة النجاح “لأننا كنا نحقق نسب مرتفعة تتخطى الـ80 والـ85% قبل 18 عاماً، لكن وبدلا من أن نتقدم كما هو حال العالم كله بالعلاجات والأدوية والطب، بدأنا نتراجع بوضوح خلال العامين الماضيين، وهذا أمر مخيف، الآن في ظل شح الدواء وانقطاعه وتأخير العلاجات لدينا مخاوف كبيرة من أن نسبة الشفاء ستنخفض بشكل ملحوظ في بلاد كان يطلق عليها (مستشفى الشرق)”.من جهتها ترى مؤسسة جمعية Chance وطبيبة أمراض الدم والأورام لدى الأطفال، رولا فرح، أن لبنان اليوم يمثل مكانا خطيرا جداً لمرضى السرطان، “صحيح أن سرطان الأطفال نسبة الشفاء منه 85%، إلا ان الدواء أهم عامل في الشفاء، في حين أننا نعاني اليوم مع انقطاع نحو 10 أدوية أساسية في علاج مرضى سرطان الأطفال، والمشكلة أكبر لدى مرضى السرطان من الكبار، الذين يعانون من انقطاع حاد جداً في أدوية المناعة”.وفي المقابل فإن “علاج السرطان يقدم وفقاً لبروتوكولات تحدد المدة الزمنية بدقة كبيرة وصارمة للغاية لناحية الجرعة ونوع الدواء والوقت المحدد لتلقيه، وكل تأخير يؤثر على احتمالات الشفاء ونسبتها وحياة المريض، ويزيد من خطورة ظهور المرض مجدداً وأقوى من قبل”.ووفقا لفرح، التي أكدت أن حتى البدائل عن الأدوية الاساسية باتت منقطعة من الأسواق لأسباب عدة: “مشاكل استيراد، مشاكل تسعير مشاكل اعتمادات ودعم مصرف لبنان، ومشاكل وزارة الصحة مع المصرف المركزي، ولكن مهما كان السبب فالمتضرر الأكبر هو المريض ومن بعده الطبيب، حيث يلقى على عاتقه مسؤولية تأمين الدواء وسعره وانقطاعه”.
ولا تنحصر مشكلة مرضى السرطان بأزمة واحدة، فمن جهة هناك أزمة الانقطاع، ومن جهة أخرى هناك أزمة أسعار الأدوية وتكاليف العلاج، “لم نعد نعرف أين المشكلة، لدى الوكيل المستورد أم لدى الشركات المصدرة، لدى مصرف لبنان الداعم أم لدى وزارة الصحة، كلها أسئلة وبحث ليس من اختصاصنا، كل ما يهمنا اليوم كأطباء أن نحصل على الأدوية اللازمة أينما كانت المشكلة فالمريض هو الوحيد الذي يدفع ضريبة هذا الواقع المرعب”، يقول نون.ويتابع: “أضف إلى معاناة تأمين الدواء، معاناة تأمين كلفة فاتورة العلاج التي باتت اليوم باهظة بعد انهيار سعر الصرف، ولم يعد مهماً ما هي الجهة الضامنة التي يستفيد منها المريض، فتغطية فرق التكلفة بين المستشفى والجهة الضامنة، التي عادة ما يسددها المريض، باتت اليوم رقماً كبيراً يعجز معظم المرضى عن تغطيته، نحاول اليوم أن نساعد بتحمل نسبة معينة من الكلفة ولكن لا يمكننا الاستمرار بذلك لمدة أطول، خاصة في ظل شح المساعدات الواردة لنا، وعليه فإن الملف متشعب جداً وبات للدواء أسواق كثيرة بين سوداء ومدعوم ومن الخارج بالدولار”.الأطباء منهكون
ولا تقتصر المعاناة على مرضى السرطان فقط، حيث إن المجتمع المحيط بهم يعاني بأكمله إلى جانبهم، أهالي وأطباء، مستشفيات وممرضون وجمعيات، يقول الدكتور نون “بات أمرا روتينيا أن نواجه يوميا مشكلات، ونخوض وساطات وجهود بالغة من أجل تأمين أدوية السرطان لمرضانا، طاقتنا كأطباء ذهبت في تأمين الأدوية والاتصال بالشركات والجهات المعنية للبحث عن العلاجات المقطوعة، بدلا من التركيز على فحص المريض ومعالجته ودراسة حالته”.ويضيف: “وصلنا اليوم إلى مرحلة تقسيم الدواء على المرضى، ما نعثر عليه ومخصص لطفل واحد بتنا نوزعه على طفلين، وبتنا نجمع الأولاد مع بعضهم لتلقي جرعات الدواء. نضطر للتفكير بصحة المريض وبحالته الاقتصادية أيضاً وقدرته على تأمين الدواء، ونصل بالسيناريوهات التي نشهدها إلى لحظات مرعبة لم نشهدها في حياتنا من قبل، بنتا نسعى لتأمين الأدوية قبل فحص المريض وتشخيص حالته”.”وصلنا إلى حالة غير مقبولة”.. تقول الدكتورة فرح، “منذ 20 عاماً، حتى شهر من اليوم، يمكن أن نفخر بعدم تأخر أي طفل لدى الجمعية عن علاجه أو تلقيه الدواء اللازم، ولكن منذ شهر مضى، ولأول مرة في تاريخنا، وصلنا إلى مرحلة نبكي فيها لانعدام حيلتنا أمام المرضى، حيث بدأنا نشهد تأخيرا للمرضى عن دخول المستشفيات بسبب انقطاع الأدوية وانعدام سبل تأمينها، رغم كل المجهود الذي نبذله، وهذا موضوع خطير جداً، إذا ما أصبح واقعاً دائما وتكرر مرات عدة، ومع عدد أكبر من المرضى”.

جهود عابرة للحدود
لكل دواء قصة وسبل مختلفة للحصول عليه، يروي نصار قصة دواء سويسري معتمد لمرضى سرطان العظام، “انقطع الدواء ولم تعد توفره وزارة الصحة اللبنانية بعدما استقدمت بديلاً إيرانياً له أثار في حينها ضجة كبيرة، بسبب عدم وجود أبحاث طبية كافية بشأن فعاليته، اليوم وصلنا إلى مرحلة أنه حتى الدواء الإيراني ما عاد متوفراً في الوزارة مما اضطرنا للبحث عن بديل جينيريك للدواء السويسري يصنع في الهند، حيث المختبرات المعتمدة تحظى بسمعة وثقة عالمية”.وبمجهود مجموعة متطوعين في الامارات يتم الحصول على الدواء الهندي عبر القادمين من الهند، ومن هناك يتم إيصاله إلى لبنان، وفق ما يؤكد نصار، ويضيف “هكذا نحل أزمة أشخاص قادرين على شراء أدوية ثمنها 100 و200 دولار، ولكن هناك مرضى يعجزون عن توفير هذا المبلغ وهذا الحل لا ينفع معهم، كما أن هذا الحل معتمد لدواء واحد، وليس هناك بدائل لجميع الأدوية، لاسيما أدوية المناعة الجديدة، هؤلاء المرضى أوقفوا علاجاتهم تماماً”.”أما بالنسبة إلى الأدوية منخفضة السعر، فيتم استقدامها عبر الوافدين من تركيا، ولكن الأمر مرهون بقدرة المريض المادية، فهناك مرضى يعيشون بالحد الأدنى للأجور الذي يبلغ اليوم 30 دولارا، كيف سيستطيعون تأمين الدواء؟” يسأل نصار.