كتبت” النهار”: لعلّها من غرائب زمن الانهيارات الشاملة التي تعصف بلبنان، ان يتنافس المسار الغامض والمتدهور والمتعثر والموغل في التعقيدات لتأليف الحكومة الجديدة، مع المسار الكارثي لازمات المحروقات، وما تتركه من شلل مخيف لم يعرف لبنان مثيلا لتجربته المدمرة في أعتى ازمان الحروب. هكذا بدا المشهد امس في ظل التخبط السياسي وتوأمه التخبط الاجتماعي بحيث بات من الاستحالة تقريباً رسم أي سيناريو دقيق لمجريات عملية تأليف الحكومة، تماما كما لسيناريو التوقعات الشاقة المتصلة بمعالجة ازمة البنزين والمازوت. ومع ان بعض “هواة” التمسك بأهداب التفاؤل من المتابعين لمجريات الجهود الذي تبذل لإنجاح محاولة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي تحقيق اختراق جدي قبل نهاية هذا الأسبوع من خلال تقديم تشكيلته الوزارية في الساعات المقبلة لا يزالون يقيمون على الأمل بهذا الاحتمال، فان الإرجاء المفاجئ للزيارة التي كان ميقاتي يعتزم القيام بها بعد ظهر امس لقصر بعبدا أشاع مزيداً من الانطباعات السلبية حتى لو تردد ان الموعد أرجئ الى اليوم أو غد.
وقبل ارجاء الزيارة، كانت معلومات قد اشارت الى ان لا حكومة ولا اعتذار امس، وان هدف الزيارة هو التشاور في التشكيلة التي يحملها ميقاتي من 24 وزيراً مع تخصيص إسمين لوزارة العدل ليختار رئيس الجمهورية ميشال عون أحدهما.
وأفادت بعض المعلومات التي أعقبت الإرجاء المفاجئ للزيارة ان الرئيس المكلف تبلغ بعدما طلب تحديد موعد لقائه امس مع الرئيس عون ان الأخير متمسك بتسمية جميع الوزراء المسيحيين الذين سيكونون من حصته الامر الذي رسم أجواء تصعيدية أملت ارجاء الزيارة لئلا يحصل خلاف قد يساهم في تراكم المناخات التي ستؤدي الى اعتذار ميقاتي. وأفادت المعلومات ان عددا من الحقائب لا يزال موضع تباين بين الرئيسين ابرزها الداخلية والعدل ونائب رئيس الوزراء والخارجية والشؤون الاجتماعية وان اللقاء الجديد اذا عقد لن يكون حاسماً ابداً.
وما لا يمكن تجاهله في خلفيات الخربطة الحاصلة هو الأثر المرجح لقيام القاضية غادة عون بإجراء غريب وشديد الالتباس تمثل بإصدار “بلاغ بحث وتحر” في حق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، اذ بدا من الصعوبة “هضم” هذا التطور السلبي خصوصاً بعدما بات واضحاً ان رئيس الجمىهورية وفريقه يطرحان اشتراطات معروفة واستباقية على الرئيس المكلف للنيل من الحاكم .
وعلى جاري عادتها في رمي كرة التعقيدات في مرمى الرئيس المكلف او القوى السياسية الأخرى و”تنزيه” الرئاسة الأولى وفريقها السياسي عن كل تعطيل وتعقيد، قالت مصادر قصر بعبدا ان مشكلة الرئيس المكلف ليست مع قصر بعبدا انما مع القوى السياسية التي يفاوضها، معتبرة انه اقرّ بذلك في تصريحه الاخير عقب زيارته الى القصر الجمهوري حينما سأل “من قال ان رئيس تيار “المردة” النائب السابق سليمان فرنجية عاتب عليّ؟ لا حكومة دون تمثيله”. ورأت انه اذا كان الرئيس ميقاتي يفاوض فرنجيه فهذا يعني انه يتشاور مع سائر القوى السياسية ما يعني عملياً ان الاشكالية مع هذه القوى وليست مع بعبدا، والا لكان حضر امس الى قصر بعبدا وقدم تشكيلته او تشاور مع الرئيس في شأنها. وتاليا فان المشاكل في رأي أوساط بعبدا هي في مكان آخر مئة في المئة.
ونقل في هذا السياق عن اوساط مطلعة على تفاصيل الملف الحكومي بأن ضغطاً فرنسيا يمارس على المعنيين لتشكيل الحكومة قبل نهاية الاسبوع، وقد تمنت هذه الدول على الرئيس ميقاتي التريث في اتخاذ اي موقف سلبي كالاعتذار.
.