صمت ميقاتي أبلغ من أي كلام

27 أغسطس 2021
صمت ميقاتي أبلغ من أي كلام

ليس مهمًّا مَن يرفع العلم، بل أن يُرفع هذا العلم. وليس المهمّ الإكثار من أعداد اللقاءات في قصر بعبدا بين الرئيس المكّلف ورئيس الجمهورية، بل المهمّ تشكيل الحكومة. هي الهدف الأول والأخير بالنسبة إلى الرئيس نجيب ميقاتي. كان يعرف أن الطريق لن تكون مفروشة بالورد والرياحين. وعلى رغم ذلك قَبِل المهمّة، ولم يتردّد أمام التحدّيات، بل صمّم وعزم. 

قد تكون العقبات التي تواجه الرئيس المكّلف أكثر مما كان متوقعًا. وقد تكون الشروط التي يحاول البعض فرضها بطريقة أو بأخرى غير وارد القبول بها لا اليوم ولا غدًا ولا بعده. ليس بهذه الطريقة تكون الشراكة في إدارة شؤون البلد. فنظامنا برلماني وليس رئاسيًا، ولن يكون.  
فإدارة الأزمة وصولًا إلى مرحلة المعالجات تبدأ بحكومة متجانسة كفريق عمل واحد، وليس كل وزير من وادٍ. فالإعتبارات التي كانت تجوز في الماضي، والتي كانت تتحكّم بطريقة تشكيل الحكومات لم تعد صالحة في مثل هذه الأيام. فما يعانيه اللبنانيون كل يوم، بل كل دقيقة، على طرقات الذل، لم يعد مقبولًا، ولم يعد من الجائز التعاطي مع هذا الوضع الخطير الذي يمرّ به الوطن بمنطق المحاصصة، و”شو بيطلعلك وشو بيطلعلي”.  

القصّة أكثر أهمية من لقاء بالزايد أو لقاء بالناقص. ليس بكثرة اللقاءات، على ضرورتها، تكون المعالجات. المطلوب أولًا وأخيرًا أن يقتنع الجميع بأن النيران المشتعلة والمتنقلة بسرعة قياسية من مكان إلى آخر ستصل إلى الجميع، وستحرق الأيدي غير المستعدّة للمساهمة في إطفاء الحريق قبل أن يأكل الأخضر واليابس. 
وهنا لا بدّ من أن نطرح السؤال التالي: هل فعلًا نريد جميعنا أن نشكّل حكومة تتحمّل المسؤولية، وتشمرّ عن سواعدها وتبدأ بالفعل بعملية إنقاذية ملحّة وضرورية؟ 
هل نحن مقتنعون بأن الحكومة على أساس المواصفات “الميقاتية” قادرة على الإنقاذ، حتى ولو لم تكن تملك عصًا سحرية؟ 
هل نحن على إستعداد لوقف عدّاد تضييع الوقت وهدر الفرص، التي لا تزال متاحة، حتى ولو تكاد تصبح نادرة؟ 
هل نحن على يقين بأن المجتمع الدولي الذي لا يزال مستعدًّا لمدّ يد المساعدة، على رغم إشمئزازه وكثرة إحباطاته، قد يصل إلى اليوم الذي سيقول فيه “قلعوا شوككم بأيديكم”؟ 
ليس المهمّ أمام كثرة الفواجع أن يلتقي الرئيسان ميقاتي وعون، وأن يراكما أعداد هذه اللقاءات. لم يقبل الرئيس المكّلف بأن تُسند إليه مهمة المساهمة في عملية الإنقاذ من أجل أن تُلتقط له الصور عندما يكون داخلًا إلى المكتب الرئاسي في بعبدا أو عندما يكون خارجًا منه. 
الأوضاع المخيفة التي يعيشها اللبنانيون، والتي يبدو أنها آيلة إلى المزيد من التفاقم، لا تسمح لأي كان بالتعاطي مع هذه المستجدّات وكأن البلاد تعيش أفضل وأجمل أيامها. 
يجب أن ندرك جميعنا، وقبل فوات الآوان، أن الناس الذين يُذّلون في اليوم القصير ألف مرّة سيثورون، وسيكون لثورتهم دوّي صاعق. لن يرحموا الذين أذّلوهم، والذين تاجروا بدمائهم وبصحتهم، بخبزهم ودوائهم ووقودهم. 
بعدما تأجّل اللقاء الذي يحمل الرقم الـ 13 من أمس الأول إلى يوم أمس، إعتقد البعض أن ثمة حلحلة في الأجواء، لكن خروج الرئيس ميقاتي من الإجتماع من دون أي تصريح يعني الكثير ويختصر الكثير من الكلام الذي لم يقل، وهو قد يكون أحيانًا كثيرة ابلغ من أي كلام.