نداء لموقف وطني حاسم من الأداء الانقلابي للعهد على الدستور!

28 أغسطس 2021
نداء لموقف وطني حاسم من الأداء الانقلابي للعهد على الدستور!

كتب النائب السابق حسن الرفاعي في “النهار” :أمام العبث المجنون بنظام لبنان بفعل خروج رئيس البلاد ميشال عون عن دور الحكم العادل والحكيم الجامع لصالح شخصيّة المحارب لاستعادة “حقوقٍ مسيحيّةٍ سليبةٍ” والمنضوي في “حلف الممانعة” أرى أنّ لبنان أصبح بخطر أكيد وأنّ اللّبنانيّين ذاهبون نحو مزيد من الهجرة والاغتراب والتحسّر على حلمٍ جميل ضاع !

أدعو رؤساء الحكومات السابقين إلى تبني قراءة دستوريّة موحدة عن دور وصلاحيّات رئيس الحكومة وعن آليّات تسميته وتشكيله للحكومة بهدف إيقاف مهزلة تطفيش واستبدال الرّئيس المكلّف حسب أهواء رئيس الجمهوريّة، والكفّ عن إضاعة الوقت بين رئيس مكلّف يساير مبادرة فرنسيّة تائهة وآخر يدوّر الزوايا ويتفنن في تصاريح شبه يوميّة حول زياراته المذلّة واجتماعاته مع رئيس الجمهوريّة ومستشارين ووسطاء، في حين أنّ رئيس الجمهوريّة لا يضيّع مناسبة إلّا ويتوسّع أكثر وأكثر بالحديث عن صلاحيّات لم تكن له يومًا على الإطلاق…

فتأليف الحكومة واختيار الأسماء وتوزيع الحقائب كلّها أمورٌ من صلاحيّة ومسؤوليّة الرّئيس المكلّف أمّا دور رئيس الجمهوريّة فلا يتيح له حقّ وصلاحيّة التدخّل في تفاصيل التأليف لأن الحكومة تحيا بثقة المجلس وليس برضى رئيس الجمهوريّة عنها، ولا تتوقف ولادتها على امتلاك الرّئيس ثلثًا معطلًا أو حصّة وزرايّة …
إنّ القراءة الدّستوريّة الموحدة الّتي أدعو لها لا تهدف إلى التمسّك بحقوقٍ للطائفة السنيّة بل إلى التمسّك بدستورنا وبالنّظام الجمهوري البرلماني الّذي أعتَبِرُه الأكثر ملاءمة للبنان وبقاءه.
كما أعجب من السياسيين المسيحيين والموارنة على وجه الخصوص كيف لا يحدّدون موقفًا صريحًا من تمادي رئيس الجمهوريّة في مخالفة الدّستور وفي رفع شعار الدّفاع عن حقوق المسيحيين وفي معركته لاستعادة صلاحيّات مزعومة، وأسألهم: هل مشاركة رئيس الجمهوريّة في توقيع مراسيم الحكومة تجعله شريكًا في التأليف وفي انتقاء الأسماء والحقائب وتوزيعها نيابة عن النواب المسيحيين؟ هل من حقّه تعطيل مبدأ إلزاميّة الاستشارات عبر تعجيز الرّئيس المكلّف وإضاعة الوقت عبر مناورات وأساليب مُذلّة للرئيس المكلّف؟ ثم، لو وصل أحدكم إلى رئاسة الجمهوريّة هل سيتدخل بتشكيل الحكومات بحجّة أنّه المرجع المسيحي الّذي يحمي حقوق الطائفة في الحكومة؟
إنّ استمرار غالبيّة السياسيين الموارنة بالاكتفاء بموقف المتفرّج على تجاوزات الرئيس عون للدّستور لا يخدم الوطن ولا رئاسة الجمهوريّة ولا الطائفة المارونيّة بل يحرّك العصبيّات ويغلّب الكراهيّة بين أهل الوطن الواحد.
أستغرب أيضًا تغاضي النّواب ورئيس المجلس عن تطاول رئيس الجمهوريّة المتمادي على أسس النّظام البرلماني وضربه الدّستور في مرتكزاته الأساسيّة، فالمادة 60 من الدّستور تعطيهم دون سواهم الحقّ بملاحقة رئيس الجمهوريّة بجرم خرق الدّستور والخيانة العظمى …! والخرق الأوّل والأهم هو زجّ لبنان في محور الممانعة وتسليمه ساحة لسياسات إيران. فَفَقْرُ وعَوَزُ اللّبنانيين وانفجار المرفأ ليست إلّا من نتائج هذا التّخلي الرّئاسي عن السيادة الوطنيّة وعن حفظ استقلال الوطن وسلامة أراضيه كما ينص قَسَم رئيس الجمهوريّة الّذي تلحظه المادّة 50 من الدّستور.
الخلاصة
إنّ غياب موقف وطني واضح من تطاولات رئيس الجمهوريّة وفريقه على النّظام والدّستور ورئاسة الحكومة يعيدنا إلى أجواء تشنّج ما قبل 1975 ويفتح الباب واسعًا أمام المزايدات الطائفيّة الشعبويّة من كلّ حدبٍ وصوب مما يقود إلى مزيد من تشظّي الوطن وهجرة أبنائه وربما يفرض مؤتمرًا تأسيسيًّا. هكذا يَفْرَغُ لبنان من مَعْنَاه ومن أهله.
مرّة أخرى، ليست المشكلة بالدّستور وبالنّظام بل بالرجال وبعقليّة التسلّط والأنانيّة عندهم وبغياب الحسّ الوطني كما سبق وكتبت في العدد الخاص من النهار الصادر بتاريخ 27 أيلول 2018.
أدعو لتشكيل جبهة عريضة من النّواب تتخذ الإجراءات الدّستوريّة لمحاكمة الرّئيس ميشال عون عن إسهامه الفظيع في خيانة فكرة لبنان وضرب مرتكزاته، وقد شاركت مؤخرًا في وضع دراسة في هذا المعنى.
إنّ السلطة واجبات ومسؤوليّات وما الصلاحيّات إلّا لتأدية هذه الواجبات.