يعتقد كثيرون أن الموقف الدولي الضاغط لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة في موعدها المقرر في أيار المقبل يشكل ضمانة كافية لالتزام الأطراف المعنية كافة بإجراء هذه الانتخابات. ويستند الإصرار الغربي على إجراء الإنتخابات في موعدها الى تقدير هذه القوى لوجود أزمة حادة تعاني منها النخبة السياسية التقليدية في علاقتها مع المجتمع اللبناني، وبالتالي يمثل ذلك فرصة لتعديل موازين القوى النيابية وإحداث تغيير سياسي عميق، مع الإشارة إلى أن الجهات الدولية تبدي استعدادا لتمويل العملية الانتخابية على قاعدة ان تجري في موعدها المقرر.
قد تكون الحقيقة غير ما تقدم، فكل الضغوط الدولية الفرنسية والأميركية والأوروبية والأممية لم تنجح في دفع المعنيين إلى تشكيل حكومة، فما الذي يمنع أن يشهد لبنان سيناريو أكثر تعقيدا على المستوى الانتخابي؟ خاصة وأن قوى عدة أساسية تعاني من أزمات عميقة مع الشارع الانتخابي وبالتالي تكمن مصلحتها في تأجيل هذا الاستحقاق وعدم إجرائه في موعده. بيد أن السؤال هو حول الكيفية التي ستستند إليها ذريعة تأجيل الانتخابات، مع الإشارة إلى أن ما يجري على صعيد التفاوض الجاري على الخط الحكومي لا سيما في ما خص حقيبتي الداخلية والعدل يوحي وكأن الانتخابات سوف تحصل في موعدها لا محالة.
وفق مصدر سياسي بارز فإن تأجيل الانتخابات سيبدو طبيعيا في حالتين:الحالة الأولى هي دخول البلاد في فوضى اجتماعية شبيهة بما ساد في الأيام الأولى من تشرين الأول 2019. ولا شك أن تردي الأوضاع الأمنية من ناحية ارتفاع معدلات الجريمة وافتقاد الأمان الاجتماعي والصدامات التي تقع بين القرى وداخلها وقطع الطرقات شمالا وجنوبا وبقاعا ومصادرة صهاريج المحروقات وحصول بعض الإشكالات ذات الخلفيات الطائفية أو المذهبية بين المناطق (عنقون – مغدوشة، فنيدق -عكار القديمة على سبيل المثال لا الحصر) وتعاطي الأغلبية العظمى من المواطنين على قاعدة أن ليس هناك دولة ومؤسسات وأجهزة أمنية وقضائية وعسكرية، واحتمال اللجوء إلى الأمن الذاتي، كل ذلك مرشح للتفاقم أكثر فأكثر ما لم تتشكل حكومة تضع معالجة الازمة الاقتصادية على سكة الحل، وبالتالي فإن تفاقم الأوضاع المعيشية والحياتية والاجتماعية قد يفضي إلى مزيد من التسيب في الشوارع وبين المناطق المجاورة ويأخد البلاد إلى ظرف لا ينسجم مع إجراء الإنتخابات ويكون دافعا للتمديد للبرلمان الحالي. أما الحالة الثانية فتتصل باحتمال تفاقم موجة “دلتا” الأمر الذي يفرض على السلطات إعلان حالة الطوارىء وإغلاق البلاد، وهذه فرضية بجب أن تبقى بالحسبان.لا شك أن قدرا من الغموض يخيم على مستقبل المشهد في البلاد، وثمة تقديرات متضاربة ومتعارضة من السيناريوهات التي تقتصر في تحليلها للأزمة على كونها مرتبطة بتشكيل الحكومة إلى التحليلات الأكثر تطرفا التي تعتبر أن لبنان القديم قد انتهى وأن ما نشهده ليس إلا النزاع الأخير للنظام السياسي بصيغته المعهودة وأن فصولا أشد تعقيدا ومن ضمنها الفراغ المؤسساتي لا تزال تنتظر المشهد اللبناني.