إشارات ومعطيات.. لهذه الأسباب تحرّك جنبلاط

1 سبتمبر 2021
إشارات ومعطيات.. لهذه الأسباب تحرّك جنبلاط

شاء رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط أن يُرسي معادلة التهدئة وتطويق الشارع، خصوصاً أن الظروف باتت تتجه نحو الأسوأ. ومن دون أي مراوغة أراد زعيم “التقدمي” أن يتقدّم أكثر للمواجهة، ليس مع أي أحد، بل ضدّ أي عرقلة تمنع البلاد من النهوض من قعر الانهيار.

وحالياً، فإن تأجيل جنبلاط لمؤتمره الصحفي الذي كان مقرراً، أمس الثلاثاء، حمل علامات استفهام عدّة، لكن المصادر المتابعة قالت لـ”لبنان24″ إن “التأجيل جاء من أجل استطلاع التطورات أكثر ليبنى على الشيء مقتضاه”.
ومع هذا، تلفت المصادر إلى أنّ جنبلاط أراد أن يكون متوازناً ولن يرفع سقوف التحدي باعتبار أن “الوقت ليس مناسباً للمناكفات”. إلا أنه مع ذلك، سيوجه رسائله بأكثر من اتجاه، في حين أنّ حراكه الأخير ارتبط بمعطيات هامة لم يكن عليه تجاهلها، خصوصاً عندما رأى أنّ التهديد سيطالُ مختلف الأطياف خصوصاً الطائفة الدرزية. واليوم، فإن جنبلاط يخشى “المتاريس”، كما أن مقربين منه يؤكدون أنه “يريدُ الحل اليوم قبل الغد، لأن الناس ضائعة والضبابية تحيط بالانقاذ، وإن كان هناك من أمرٍ قد يجعلنا نستعيدُ الأمل فيكون من خلال تشكيل حكومة إنقاذية بكل ما للكلمة من معنى”.

ووسط كل ذلك، فإنّ زعيم المختارة بات يستشعر الخطر الأكبر عندما باتت الأمور تذهب باتجاه منحى الاقتتال بين المناطق، خصوصاً أن ذلك يعيدُ بالذاكرة إلى مرحلة الحرب. ومع هذا، فإن جنبلاط لا يُخفي أمام مقرّبين منه دقة المرحلة، كما أنه يُطالب دائماً بإنصاف لبنان من الجانب العربي. أما بالنسبة لفرنسا، فإن جنبلاط يجدد تمسّكه بكل المبادرات الإنقاذية.
مُهادنة
وعلى وقعِ كل هذا المنطق، كثف جنبلاط اتصالاته حتى أن هناك قراراً منه باتجاه حزبه لاعتماد خطاب التهدئة وعدم الدخول في أي مُناكفات مع أحد، لأن الأمور على الشارع قد تشهدُ انفلاتاً غير محسوب. كذلك، ارتأى جنبلاط منذ البداية أن “يُسهّل” الطريق أمام تشكيل الحكومة. فمثل أي طرف سياسي آخر، يرى القطب الدرزي أن لديه الحق في المطالبة بحقيبة في الحكومة لأن التوازنات تفرض ذلك. ولكن، ما بدا مؤخراً هو أن جنبلاط ما زال يعمل على إرساء الهُدنة بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون باعتبار أن الأخير كان يتلقف مبادرات جنبلاط ولا يريد التخاصم معه. إضافة إلى ذلك، فإن التنسيق بين “الوطني الحر” و الحزب “الاشتراكي” وصل إلى مستويات متقدمة الآن، وقد يفتح الباب أمام تحالفات انتخابية عريضة في الجبل لضربِ من يتم وصفُهم بـ”المتسلقين باسم التغيير”.
كذلك، فإن جنبلاط اتفق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على ضرورة تطويق أي محاولة تهدف إلى ضرب التوازانات الطائفية خصوصاً لناحية التفريط بحقوق الطائفة السنية حتى وإن كانت العلاقة مع الرئيس سعد الحريري “غير مستقرة”. وهنا، تقول مصادر الحزب “الاشتراكي” أنّ جنبلاط يسعى مع بري لوضعِ أسس واضحة وإيجابية في التعاطي بالشأن الحكومي، كما أنه يطمحُ لأن تتبدّد العقبات بين بعبدا والطائفة السنية. كذلك، تشدّد المصادر على أن جنبلاط سيبقى ثابتاً في موقفه الداعم لرئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي باعتبار أن الأخير يعدّ الأقدر على تدوير الزوايا ومقبول دولياً وعربياً. وبشكل واضح وتحديداً في هذا الأمر، يلتقي جنبلاط وحزب الله وبري، وثمة إصرار على عدم القبول بسيناريو اعتذار ميقاتي مهما كلّف الأمر، وفق ما تقول مصادر سياسية مطلعة على أجواء “المختارة – عين التينة”.
إشاراتٌ دولية
ودائماً، كان جنبلاط يتحدث عن “إشارات دولية” ترتبطُ بلبنان، وهذه المرّة وجد أن دوره يجب أن يكون تسهيلياً أكبر لتلقف الحراك الخارجي بشأن البلاد. وهنا، فإنّ جنبلاط رأى أن هناك حراكاً أميركياً إيجابياً بشأن لبنان خصوصاً بعد الحديث عن امكانية استجرار الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا، فضلاً عن وجود حديثٍ لدى الأميركيين بأن يحظى لبنان ببعض الاستثناءات من قانون “قيصر”.
وفعلياً، فإنه من الممكن أن يكونَ كل ذلك مُقدمة لإعادة فتح خطوط التواصل مع سوريا خصوصاً عبر الدولة اللبنانية. وفي ظل ذلك، قد يكون جنبلاط أعاد تحريك اتصالاته وتحركاته بعد “مُراقبة وترصّد” مثلما فعل بري، وأراد حجزَ مكانٍ له على طريق الحل أقله في سبيل التسهيل أمام تشكيل الحكومة، باعتبار أن هذه الخطوة ستساعدُ لبنان على تلقي كل العروض الخارجية للمساعدة، وبالتالي سلوك درب الانقاذ، لأن أي اقتتال أو انهيار سيطالُ الأقليات خصوصاً الطائفة الدرزية.
ومع هذا، فإن جنبلاط الذي يريدُ أن تسير الأمور بأقل خسائر ممكنة، يعتبرُ أن أي طريق دولي وداخلي للحل يُساهم في تطويق أي نفوذٍ لا يريده. وكعادته، كان جنبلاط يؤكد رفضه للتمدد الإيراني في لبنان وهو الأمر الذي يسمح لقوة “حزب الله” بالتعاظم. وعلى هذا الأساس، يريدُ زعيم المختارة السير قدماً نحو أي حل من دون أن يسعى أحد لمواجهته.