في خطابه أمس في الذكرى 43 لـ”تغييب”الإمام موسى الصدر، تعمد رئيس مجلس النواب نبيه برّي الاختصار في حديثه عن الملف الحكومي، فاكتفى بالدعوة إلى التشكيل هذا الأسبوع، بيد أنه أفرد شقاً واسعاً من إطلالته في توجيه السهام نحو العهد، حيث لجأ إلى التصعيد المنظم في هجومه على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، عندما سأل هل ربط تشكيل الحكومة بالثلث المعطل هو سياسة؟ وهل جهنم بحاجة إلى مأموري أحراج؟ولمصلحة من التهديد والتلويح بالاستقالات من مجلس النواب؟ ولمصلحة من تعطيل آخر مؤسسة منتجة وعاملة في لبنان على المستوى التشريعي. أما قضائيا وفي ما خص ملف انفجار المرفأ، رأى بري أن هناك من تعود في لبنان الاستثمار بالقضايا المحقة لأهداف انتخابية رخيصة وربما تنفيذاً لأجندات مشبوهة.
فهل يفضي ما تقدم من مواقف إلى التسليم بالأفق المسدود حكوميا؟
قبل ساعات قليلة من إطلالة الرئيس بري، كان التشاؤم سيد الموقف عند مصادر حركة أمل التي أبدت قناعتها أن لا حكومة في المدى المنظور وأن الأمور “مسكرة”، بيد أن كلام الرئيس بري عن حكومة هذا الاسبوع عطفا على إعلان مصادر متابعة عقب كلمة الرئيس بري أن الأخير دخل على خط الإتصالات لتسهيل ولادة الحكومة، وأن معاونه السياسي النائب علي حسن خليل زار الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ثلاث مرات خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، كل ذلك طرح تساؤلات كثيرة، وفق أوساط سياسية على اطلاع على مفاوضات التأليف، فهل الهدف من الإعلان عن “حراك عين التينة” تطويق مهمة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي ينشط على خط بعبدا – “بلاتينيوم”، برغبة من الرئيس عون والرئيس ميقاتي بعدما تعثرت حركة الوسطاء السابقين؟ بالنسبة إلى الأوساط نفسها، يسعى رئيس المجلس عطفا على الرئيس سعد الحريري إلى تكريس الواقع الراهن حتى نهاية عهد الرئيس عون وهذا من شأنه أن يقوض عمله في إدارة البلد ويساهم في إضعافه مسيحيا مع ما يترتب عن ذلك من تبعات على مستوى الاستحقاقين النيابي والرئاسي تمهيدا لقطع الطريق على “توريث باسيل”.
ورغم كل ما تقدم، فإن مصادر بعبدا تقول لـ”لبنان 24″ إن رئيس الجمهورية سوف يجري تقييما لخطاب الرئيس بري الذي دخل على خط التأليف ليبنى على الشيء مقتضاه، مع إشارتها الى أننا سنضع كلام الرئيس بري في الإطار التحفيزي وسوف ننتظر كيف ستترجم عملياً اندفاعته على صعيد الرئيس المكلف. ومع ذلك تشدد المصادر على أن رئيس الجمهورية لا يدفع الرئيس ميقاتي على الاطلاق للاعتذار، فالواقع يفرض تأليف حكومة، والشعب بلغ مستويات غير مسبوقة من المعاناة ولم نعد نستطيع تحمل هذه المعاناة مهما كلف الامر. وبالتالي فإن الكلام عن ثلث ضامن وثلث معطل وعرقلة لا أساس له من الصحة. وهنا تقول المصادر: يسارع رئيس الجمهورية دائما إلى تقديم التضحيات، في حين أن الرئيس بري على سبيل المثال لن يتخلى عن وزارة المال. وبينما يتم التسليم بأسماء الوزراء الشيعة والسنة والدروز من دون أي فيتو عليها، يتم افتعال الخلافات دائما حول الاسماء المسيحية؟ فإذا رفض حزب القوات المشاركة في الحكومة وتكتل لبنان القوي قرر الابتعاد لاعتبارات مختلفة، واختار تيار المردة وزيريه والحزب السوري القومي الاجتماعي وزيره، الا يفترض أن يختار رئيس الجمهورية الاسماء المتبقية؟ وإلا ماذا تعني الشراكة الدستورية الكاملة؟ في المحصلة تترقب القوى كافة اتصالات هذا الاسبوع وما اذا كانت ستثمر أجواء تفاؤلية تدفع بالرئيس المكلف الى زيارة بعبدا ،علما ان حزب الله يتعاطى بحذر مع المشهد الحكومي والمفاوضات الجارية وحركة الوسطاء ولا يشيع في الساعات الماضية أي أجواء تفاؤلية، في حين أن الرئيس ميقاتي الذي يقدم كل التسهيلات الممكنة ضمن سقف الدستور لا يحبذ الزيارات غير المنتجة، وهو منذ تكليفه يتعاطى بانفتاح مع كل الوسطاء، لانه قبل التكليف بنية التأليف لإنقاذ البلد، وبالتالي لا يربط عملية التأليف بباخرة إيرانية من هنا او رفع دعم من هناك، إنما بإخراج البلد من حالة المراوحة والذهاب نحو وضع حد للانهيار وبالتالي تأليف حكومة خارج الحسابات السياسية والمحاصصات والمقايضات وتلاقي دعم المجتمع الدولي والذي بات لبنان بأمس الحاجة إليه.