نحن في “الارتطام”. اللحظة التي حذر منها كثر، باتت جزءً من يومياتنا. خدمات الدولة شبه معدومة والواقع الامني من سيء الى اسوء، اما التدهور المعيشي فوصل الى اسرع مستوياته بالتوازي مع رفع الدعم، فبات التحذير من الانهيار الكامل لزوم ما لا يلزم، لانه يقترب بسرعة قياسية.
لكن الانهيار الحاصل يمكن ادارته، وهذا ما بدأت قوى سياسية اسياسية، داخلية وخارجية، تسعى اليه من خلال مدخل تشكيل الحكومة، التي تتعرقل لاسباب معظمها داخلية. هذا كله يطرح سؤالا جديا، مَنْ مِن القوى السياسية لا يجد مصلحته بالتشكيل؟في الواقع تبدو القوى السياسية المحلية مستفيدة بغالبيتها العظمى، وتحديدا تلك التي قد تشارك في الحكومة، من التأليف، فـ”حزب الله” راغب بشكل كبير بتشكيل حكومة الانقاذ او اقله حكومة ادارة المرحلة، ولا يرى اي مصلحة بالفوضى الحاصلة وبتوسعها.
وعلى عكس ما يقال، يعتبر الحزب ان من مصلحته حصول الانتخابات النيابية المقبلة، لان الامر يعيد تكريس شرعيته الشعبية، وفي حال لم تتشكل الحكومة سيكون اجراء الانتخابات صعبا للغاية، أضف الى ذلك رغبة الحزب بملاقاة المساعي الدولية المتعلقة بالانقاذ وتشكيل الحكومة بسرعة.في المقابل، لا يبتعد تيار المستقبل كثيرا عن التوجه العام الراغب بالتشكيل، فبيت الوسط، وبالرغم من تمايزه المتوقع، وسعيه للعب دور فيه نفسْ معارض، غير انه مستفيد شعبيا من وقف الانهيار الاقتصادي واعطاء الاوكسيجين المعيشي للبنانيين كي لا ينقلب الرأي العام كليا ضده.صحيح ان تيار المستقبل يرغب بكسر الرئيس ميشال عون، لكنه يعلم ايضا ان عدم التشكيل سيكون انتحارا سياسيا وشعبيا لكل القوى السياسي من ضمنها ” المستقبل” نفسه، وعليه يجد نفسه معنيا بالوصول الى خواتيم ايجابية لعلمه ان اعتذار الرئيس نجيب ميقاتي سيرفع سقف الاشتباك السياسي وسيعطل امكانية تكليف اي رئيس حكومة جديد.من الواضح ان الحزب الاشتراكي ايضا متخوف من التفلت الامني ومن الواقع الشعبي المتدهور في الساحة الدرزية، وعليه فإن “ضبضبة” الوضع باتت تشكل تحديا اساسيا وملحاً تجنبا لخسائر انتخابية قاتلة، من هنا سعى جنبلاط مرارا للتأكيد على رفضه اي فتنة سنية شيعية، فكيف حال موقفه من فوضى اجتماعية شاملة؟ ومن وجهة نظر الاشتراكي فالاستقرار السياسي يبدأ بحكومة جامعة بعيدا عن الحصص، لهذا قدم تنازلات حكومية مرارا.حتى العهد، وبالرغم من كل حساباته، لن يكون رابحا في حال استمر الانهيار او اكمل الرئيس عون عهده من دون حكومة، من هنا تتقاطع المصالح السياسية للتشكيل الذي قد يشكل ايضاً مصلحة خارجية اقليمية ودولية من دون ان يعني ذلك الوصول الى نتائج سريعة، فالتفاصيل لا تزال هي المتحكمة بمسار الامور والتشكيل على الساحة اللبنانية.