الانتخابات مهدَّدة.. “تعديل” قانون الانتخاب بين الجدية والمناورة

1 سبتمبر 2021
الانتخابات مهدَّدة.. “تعديل” قانون الانتخاب بين الجدية والمناورة

في كلمته في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، وعلى بُعد أشهر قليلة عن الانتخابات النيابية المفترضة في أيار 2022، وربما قبل ذلك، أعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري طرح “إشكاليّة” تعديل قانون الانتخاب، مع تأكيده في الوقت نفسه على وجوب أن يكون التحضير لإجراء الانتخابات “في موعدها” من أولويات الحكومة المقبلة.

 
ليس خافيًا على أحد أنّ بري “راغب” بتعديل قانون الانتخاب، وهو يدفع باتجاه قانون عصريّ خارج القيد الطائفي، كما قال في كلمته بالأمس، وهو ما يُترجَم من الناحية العمليّة بدوائر كبرى، قد تصل لحدّ اعتبار لبنان دائرة انتخابيّة واحدة، بما يسمح للنسبية أن تعطي مفعولها، إلا أنّه يثير “هواجس” بعض الأطراف، انطلاقًا من اعتبارات “ديموغرافية”.
 
وإذا كان “تعديل” قانون الانتخاب مطروحًا اليوم على طاولة اللجان المشتركة، فإنّ هناك قناعة شبه راسخة لدى الجميع بأنّه لن يأخذ طريقه إلى التطبيق، نظرًا للانقسام النيابيّ حوله، والذي تجلى في أكثر من مرّة سابقًا، إلا في حالة واحدة، وهي الاتفاق على أنّ “ورشة تشريعية” حول قانون الانتخاب قد تكون “المَخرَج الأمثل” لتأجيل الانتخابات، وربما “تطييرها”.

 
مخاوف مشروعة 
لا يبدو هذا “السيناريو” بعيد المنال، إذ ثمّة مخاوف “مشروعة” لا يتردّد معظم الأفرقاء في التعبير عنها صراحةً، من أن يكون قرار “ترحيل” الانتخابات قد اتُخِذ، وأنّ البحث جارٍ عن “السيناريو الأفضل” لتبرير التمديد للبرلمان، وإن كان البعض يقول إنّ من “تجرّأ” على التمديد للبرلمان في ظروفٍ عاديّة قبل سنوات، لن يتردّد اليوم في ظلّ الظروف “الكارثيّة” التي يعيشها الوطن، والتي تجعل الانتخابات بحدّ ذاتها أمرًا “هامشيًا”.
 
يعتقد كثيرون أنّ تكريس هذا “المنطق” قد يكون من أخطر مظاهر الأزمة الحاليّة، خصوصًا أنّ كلّ دول العالم، ولا سيّما الديمقراطيّة منها، تلجأ إلى الانتخابات في مراحل الأزمات، باعتبارها “مفتاح الحلول”، فضلاً عن كونها، بالحدّ الأدنى، تعطي الكلمة للشعب، الذي “يُستفتى” في تقرير “مصير” البلاد والعباد، في حين تصبح الأزمات في لبنان سببًا لغضّ النظر عن الانتخابات في ظاهرة غير صحية ولا ديمقراطيّة بالمُطلَق.
 
ومع أنّ “تباينًا” يظهر حتى الآن في مقاربة مختلف الأحزاب للانتخابات، بين من “يطنّشها” ويتجاهلها، تمامًا كما فعل مع الانتخابات الفرعيّة التي “ذهبت مع الريح”، ومن يشدّد على وجوب إجرائها في موعدها، يتوجّس كثيرون من “توافق غير مُعلن” بين الخصوم على مبدأ “التطيير”، لأنّ “لا مصلحة” بها، خصوصًا أنّ معظم الأحزاب متوجّسة من نتائج في غير صالحها، خصوصًا إذا ما جرت على وقع “فصول الإذلال” المستمرّة.
 
هل من “متّسع من الوقت”؟   
لهذه الأسباب ربما، تعمّد رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يوازي بين حديثه عن تعديل قانون الانتخاب، الذي قال إنّ هناك “متّسعًا من الوقت” لإتمامه، وحرصه على تشديد وجوب إجراء الانتخابات في موعدها. لكنّ ثمّة من سأل، هل فعلاً هناك “متّسع من الوقت” لتعديل قانون الانتخاب؟ وهل الوقت مناسب لورشة إصلاحيّة من هذا النوع في الظرف الحاليّ؟
 
بالنسبة إلى الخبراء الانتخابيّين، والعارفين بشؤون الانتخابات وكواليسها، فإنّ الإصلاحات الانتخابيّة ضروريّة في أيّ وقت، علمًا أنّ تجربة انتخابات 2018 أثبتت أنّ القانون الانتخابيّ الحاليّ لا يرقى للمستوى المطلوب، فلا طبّق النسبية بمعناها الحقيقي، بعدما أفرغها من مضمونها، مكرّسًا نظامًا أكثريًا مقنّعًا، ولا منح المرأة حقوقها بالمشاركة والمساواة، ولا رسّخ مبدأ العدالة في ظلّ الكثير من “الشوائب” التي انطوى عليها، من طريقة تقسيم الدوائر، إلى رسم الإنفاق العالي، مرورًا بالصوت التفضيلي والحاصل الانتخابي.
 
لكن، في موازاة ذلك، لا يرى الخبراء الانتخابيّون أبدًا أنّ هناك “متّسعًا من الوقت” لتعديل القانون برمّته، انطلاقًا من التجربة أيضًا، فقانون انتخابات 2018 تطلّب أشهرًا طويلة من النقاشات، واستوجب “تمديدًا تقنيًا” قد يكون “بيت القصيد” في كلّ النقاش الحاصل، في حين أنّ المهل بدأت “تضيق” عمليًا، وأولها قد يكون تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات المفترض مطلع الشهر المقبل كحدّ أقصى، رغم أنّ هذا الإجراء كان مفترضًا منذ أشهر طويلة.
 
يعتقد كثيرون أنّ طريقة تشكيل الحكومة، في ظلّ تمسّك البعض بهذه الحقيبة والإصرار على تلك الحصّة، كافية وحدها لبثّ الشكوك بوجود “نوايا مبطنة” بتأجيل الانتخابات، التي تصبح معها الحكومة مستقيلة حكمًا، أي أنّ “مدة صلاحياتها” لن تتخطى الأشهر القليلة. من هنا، يبدو أنّ الخوف على الانتخابات أكثر من مشروع، فهل تكفي “الضمانات الدولية” لتبديد الهواجس، أم أنّ “ما كُتِب قد كُتِب”؟!.