“مبادرة ماكرون” في ذمة الله؟!

2 سبتمبر 2021
“مبادرة ماكرون” في ذمة الله؟!

كتب جورج شاهين في” الجمهورية”:ضاع عام كامل من حياة اللبنانيين عقب الاعلان عن مبادرة ماكرون التي أطلقها من بيروت في 2 أيلول من العام الماضي، فشكّلت نتاج وعصارة عمل فريق فرنسي، جمع في ورقة واحدة مجموعة من المقترحات التي تقدّم بها قادة لبنانيون من مختلف المواقع، لمواجهة ما بلغته الأزمات المتناسلة. ولم يكن اللبنانيون بعد قد تلقّوا اي جواب على مجموعة الأسئلة الكبرى التي طرحتها انتفاضة 17 تشرين الاول٢٠١٩.

على هذه الخلفيات، توالت المواقف التي اشادت بـ”المبادرة الماكرونية” وما قالت به، الى حدّ اعتبارها بعناوينها البيان الوزاري للحكومة العتيدة. وبدأ بعض القوى يعمل في الخفاء وقبل ان يجف حبرها، على التراجع عن التزاماته. وعلى وقع الخلاف على تفسير وصفها بـ “حكومة المهمّة”، استنجد البعض بالقواميس التي تفرغ كلمة “مهمّة” من مضمونها، قبل ان يبدأ التهشيم بصفات الاختصاصيين والتوسع في البحث عن مواصفاتهم المفقودة، ومن اين يُؤتى بهم طالما انّ المطلوب في النتيجة ثقة الكتل النيابية الحزبية، بعدما رفضوا تفسيراً يقول انّ القبول بالمبادرة جعل تنازل هذه الكتل النيابية والحزبية عن هذا الحق حتمياً لا بل واجباً، لتسهيل ولادة مثل هذه الحكومة.

وقبل ان ينتهي “النقاش البيزنطي” الى نتائج عملية، وعلى وقع اتهام الرئيس الفرنسي بأنّه يسعى الى انتصارات داخلية فرنسية من البوابة اللبنانية، اعلن الثنائي الشيعي تمسّكه بحقيبة وزارة المال، والتيار البرتقالي بوزارة الطاقة. وتوسّع الجدل حول ما إن كانت المبادرة قالت بـ “المداورة” بين الحقائب السيادية والخدماتية من دون اتفاق. فسقطت تجربة اديب بالضربة القاضية بعد 26 يوماً على تكليفه. وانتهت الى تسمية الرئيس سعد الحريري من بعده وبعد اقل من اسبوعين، في اعتباره “المرشح الطبيعي” لتشكيل الحكومة، فسقط كل ما قيل عن مواصفات الرئيس الحيادي والحكومة المستقلة الخالية من الحزبيين. وكرّت السبحة التي تطعن المبادرة الفرنسية في جوهرها.
كذلك سقطت محطات مهمّة من خريطة الطريق الفرنسية. فلم يتحدث أحد عن الإصلاحات ولا المفاوضات مع مالكي سندات اليوروبوندز ولا صندوق النقد الدولي ولم يولد قانون الكابيتال كونترول. وإن لم تُحل هذه العوائق دون مساعي ماكرون بعقد مجموعة من مؤتمرات الدعم للبنان والجيش، رغم معرفته بسقوط بنود مهمّة من مبادرته، وصولاً الى اتهامه اللبنانيين بالكذب. وهكذا عبرت اشهر السنة على مهمّة تكليف الحريري الى أن سقطت (15 تموز 2021) نتيجة المناكفات السياسية. وجاء تكليف الرئيس نجيب ميقاتي (26 تموز 2021) من دون ان يشكّل محطة امل حتى هذه اللحظة بإمكان إحياء ما تبقّى من المبادرة، رغم الجهود الفرنسية التي حالت دون سقوط تجربته في شهرها الأول.
وبناءً على كل ما تقدّم لا بدّ من الإشارة الى انّ ما تبقّى من المبادرة الفرنسية لم يعد يُقاس بأي معايير قالت بها المبادرة بعد “لبننتها”، وتحول همّ الفرنسيين الى تشكيل اي حكومة بأي من المواصفات الممكنة، وبات رهانهم على مبادرات داخلية، إحداها يقوم بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم صديق أعضاء الخلية الفرنسية، في انتظار اي حدث ما، يُعلن فيه عن وفاة المبادرة التي دخلت مرحلة “الموت السريري”، والى حين انتقالها الى “رحمته تعالى في ذمّة الله”.