“تأرجح” بين الإيجابية والسلبية.. لماذا “فُرمِلت” الاندفاعة الحكوميّة؟

3 سبتمبر 2021
“تأرجح” بين الإيجابية والسلبية.. لماذا “فُرمِلت” الاندفاعة الحكوميّة؟

 
إنّه السيناريو المعتاد تكرّر مرّة أخرى. لا تكاد تظهر أجواء إيجابيّة، بل ربما مفرطة في التفاؤل، على خطّ تأليف الحكومة، حتى يأتي ما “يعكّر” صفوها، فتعود المناخات “السلبيّة” لتهيمن على المشهد. هذا ما شعر به اللبنانيون يوم أمس، بعدما استفاقوا على أجواء “ورديّة”، وناموا على “نقيضها” تمامًا، في الظاهر على الأقلّ.

 
يقول البعض إنّها “الشياطين” التي تكمن في “التفاصيل”، والتي تعبّر عن نفسها كلما تقدّم الحديث عن إحراز تقدّم ما، ولكنّ الأمر بلا شكّ أبعد من ذلك بكثير. هو بالتأكيد لا يتعلّق بالبيان “التوضيحي” الذي صدر عن المكتب الإعلامي للرئيس المكلف تشكيل الحكومة، ولا بذلك الذي صدر بعده بعشر دقائق فقط عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية.
 
فعلى الرغم من أنّ البعض استعاد مع البيانين سرديّة “حرب البيانات” التي شوّشت على عملية تأليف الحكومة أكثر من مرّة في مرحلة “تكليف” الرئيس سعد الحريري، ثمّة من لاحظ فارقًا جوهريًا، كمن في أنّ الرسائل التي حملها البيانات كانت “مبطنة”، ولم تصل لحدّ تبادل الرسائل المباشرة، وربما “الجارحة”، التي لا تترك “للصلح مطرحا”، إن جاز التعبير.

 
“توضيحات” مهمّة
 
يعزّز هذا “المنطق” الاعتقاد بأنّ البيانَين المتلاحقَين لم يؤدّيا إلى “تجميد” الاتصالات الحكوميّة، وإن أسهما في تثبيت “فرملة” الاندفاعة الحكوميّة، بعدما تبيّن أنّ العقد التي شكا منها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في إطلالته التلفزيونية الأخيرة لا تزال تراوح مكانها، رغم ضخّ التسريبات في الأيام الأخيرة عن “إيجابيّات” لا يبدو أنّها اكتملت.
 
لعلّ “التوضيحات” التي سارع المعنيّون للإدلاء بها بعد البيانَين لعبت دورًا في هذا “الاستنتاج”، ولا سيّما حرص المحسوبين على رئيس الجمهورية على “إنكار” أن يكون ما صدر عن الأخير مصوّبًا باتجاه ميقاتي، ولو جاء بعد وقتٍ وجيز على بيانه، في “مصادفة” قد لا تكون “بريئة”، وتأكيدهم أنّ “هجومه” كان مركّزًا على من يعتبر أنّهم “يشوّشون” على عمل الرئيس المكلّف، في “غمزٍ”، وفق “قاموس” بعبدا، من قناة الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري.
 
وقد لا يكون تركيز مكتب الإعلام في الرئاسة على تكرار “ثابتة” عدم مطالبة رئيس الجمهورية بالثلث المعطّل في الحكومة، والتي لا يعتبر خصوم بعبدا أنّها تعبّر فعلاً عن الواقع، تفصيلاً في هذا المشهد، علمًا أنّ بين هؤلاء من يصرّ على أنّ الأزمة الحكوميّة لا تزال “عالِقة” فعلاً عند هذا المربّع تحديدًا، ولو أنّه يتّخذ بين الفينة والأخرى أشكالاً مختلفة، من “الوزيرين المسيحيين”، إلى حقيبة من هنا وأخرى من هنالك، كما حصل في اليومين الأخيرين.
 
الاتصالات مستمرّة
 
عمومًا، يؤكّد المتابعون والمعنيّون أنّ ما وُصِفت في مكانٍ ما بـ”حرب البيانات” لم تُنهِ الاتصالات الحكوميّة التي نجحت إلى حدّ بعيد في “احتواء” المشكل الذي كان يمكن أن ينتج عن البيانين، ولا سيما بيان بعبدا، الذي لم يرتَح كثيرون لمضمونه، في الشكل والمضمون، ولكن قبل ذلك في التوقيت.
 
في المقابل، يتوقف البعض عند نقاطٍ وردت في بيان الرئيس ميقاتي قد تكون شكّلت “الحافز” الذي انطلق منه “الوسطاء” في تفعيل اتصالاتهم، لأنّ البيان لم يبدُ، على الأقلّ في الشكل، “مقدّمة اعتذار” وفق ما أوحى بعض الدافعين باتجاه هذا الخيار الذي يبقى مؤجَّلاً، حيث حمل في مضمونه، على العكس من ذلك، رسائل إيجابيّة، تكرّس نهج الانفتاح على رئيس الجمهورية والتشاور معه بمقتضيات الدستور، وهو ما يكرّره الرئيس ميقاتي منذ اليوم الأول.
 
لذلك، يُعتقَد أنّ “الرسائل” من البيانات وصلت، وقد تمّ “احتواؤها” بشكلٍ أو بآخر، من دون “الإطاحة” بعملية تأليف الحكومة، لأنّ كلّ الأطراف المعنيّة تدرك أنّ لا “بديل” عن التأليف سوى الذهاب إلى المجهول، وهو مجهول لن ينعكس سلبًا على البلد وعلى الناس التي ما عادت قادرة على الصبر فحسب، ولكن حتى على “العهد” الذي سيفقد كلّ فرصة لـ”تعويض” ما تقدّم في سنواته الأولى، ولا لـ”ترميم الصورة” في الأيام المتبقية له.
 
لم تنتهِ الوساطة الحكومية إذًا، حتى إنّ الحديث عن “تبديد” الإيجابيّات، على وقع بياني المكتبين الإعلاميين للرئيسين ميقاتي وعون قد لا يستقيم. لكنّ الأكيد أنّ “المراوحة” لم تعد مسموحة، و”المماطلة” لم تعد ترفًا لأحد، فضلاً عن الإصرار على “شروط” ما عادت تلائم المرحلة والضغوط. المطلوب تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، شرط أن تكون “كاملة المواصفات” حتى تستطيع أن تنتج، في زمن “الفرص الضائعة”!