نكاية بما أعلنه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن عزمه على إستقدام النفط الإيراني إلى لبنان، مشفوعًا بتهديدات مباشرة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركي بإعتباره الباخرة الإيرانية أرضًا لبنانية، أقدمت السفيرة الأميركية في بيروت دوروتي شيا، بتوجيهات مباشرة من واشنطن، على خطوة أبلغتها إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وتقضي بتسهيل إستجرار الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا، وكذلك إستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا أيضًا. وقد إعُتبرت هذه الخطوة بمثابة هدية مجانية للعهد، ليس على طبق من فضّة بل على طبق من ذهب.
لم يمضِ على موقف نصرالله سوى دقائق معدودة حتى سارعت السفيرة شيا إلى إعلان الموقف الأميركي، الذي فاجأ الجميع، بمن فيهم الأفرقاء اللبنانيين الذين يُصنّفون في الخانة الأميركية. فهذه الخطوة، في نظر هؤلاء، أعطت العهد وفريق 8 آذار ما كانا يتمنيانه ويسعيان إليه منذ زمن بعيد، على رغم الزيارات غير الرسمية التي قام بها عدد من الوزراء المحسوبين على الخيار السوري. وقد لاقى قيام بعض الوزراء بزيارات إفرادية لدمشق، من دون قرار رسمي، إنقسامًا عموديا داخل مجلس الوزراء، الذي كان يرأسه الرئيس سعد الحريري، حيث إعتبر البعض هذه الخطوة تخطّيًا لقرارات جامعة الدول العربية التي لم تتخذ حتى هذه اللحظة قرارًا بعودة سوريا إلى حضن الجامعة، على رغم إستعادة بعض الدول العربية، في شكل إنفرادي، العلاقات الديبلوماسية مع دمشق.
وعلى رغم إصرار البعض من القوى السياسية، ومن بينهم “التيار الوطني الحر”، عدا القوى الحليفة لسوريا إستراتيجيًا، فإنه لم يُتخذ قرار بأي زيارة رسمية على المستوى الوزاري، وبقيت الزيارات محصورة بعدد من الوزراء المقربين من دمشق، إلى أن جاء الإقتراح الأميركي الذي تلقفه الجانب اللبناني الرسمي بسرعة قياسية، وبدأت التحضيرات لتوجه وفد وزاري رسمي إلى دمشق من أجل التفاوض على آلية عملية لتنظيم العمل بين البلدين وفق ما تقتضيه مصالحهما المشتركة، مع العلم أن الجانب السوري تجاوب مع الطلب اللبناني، على رغم أن البعض حاول تسريب بعض الأجواء التي تقول إن السوريين سيكونون متشدّدين في التعاطي مع هذا الملف، وذلك نظرًا الى تراكم السلبيات في العلاقة من جهة، وإلى الاعتقاد اللبناني السائد بأن سوريا ستلبي الرغبة اللبنانية بمجرد ان يطلب لبنان ذلك، لأن الأمور بالنسبة إلى سوريا تختلف عمّا كان سائدًا في الماضي. فكل تعاون، برأي هؤلاء، صار يحتاج الى بحث مستفيض واتفاق مسبق والا وجدت سوريا صعوبة في المشاركة في الاجتماع الرباعي الذي سيعقد في الاردن قبل أن تحسم الامور التقنية مع لبنان.
أمّا الواقع، الذي نتج عن الزيارة أمس، فهو غير هذه التسريبات، على إعتبار أن دمشق تتطلع إلى أبعد من هذه الخطوة، وإلى ما سيليها من خطوات بعدما إنكسر الحاجز النفسي بين البلدين.
وفي إعتقاد بعض الذين يعّولون على هذه الزيارة، وهي الأولى من نوعها، منذ إندلاع الحرب في سوريا، ويعلّقون عليها أمالًا عريضة كخطوة أولى على طريق عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، أن هذه الزيارة، وإن فرضتها ظروف ملائمة، ستليها زيارات لاحقة، خصوصًا أنه يمكن إعتبارها خطوة أولى في مسيرة عودة العلاقات إلى سابق عهدها، وذلك بعدما سقط الحائط السميك الذي كان يفصل بين العاصمتين رسميًا، وستكون حافزًا لكثيرين ممن كانوا يطالبون بأن يخطو لبنان هذه الخطوة بمعزل عن الإجماع العربي، وذلك نظرًا إلى العلاقات التاريخية والمميزة بين البلدين، مع العلم أن مناهضي هذه الخطوة لا يزالون عند رأيهم، على رغم المبادرة الأميركية، وهم يعتبرون أن أي خطوة في هذا المسار يجب أن تكون بالتنسيق مع الجامعة العربية، ومع الدول العربية التي تحمل لواء مقاطعة سوريا حتى إشعار آخر.