أخذت الزيارة الوزارية التي قام بها وفد من حكومة تصريف الأعمال الى سوريا ضجّة اعلامية وشعبية كبيرة خلال الساعات الماضية باعتبارها أول عملية “تطبيع” رسمي بين لبنان وسوريا منذ سنوات طويلة نتيجة الانقسام حول الموقف من النظام السوري بين القوى والأحزاب والطوائف اللبنانية. فما هو المستجدّ الذي أدّى الى هذه الخطوة؟
تعتبر مصادر مطّلعة انه، وبعيدا عن الموقف السياسي المبدئي لدى بعض القوى ،سواء بضرورة إعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا نتيجة الواقع الجغرافي والتاريخي والرابط العربي او برفضها، غير أن ظروفاً موضعية فرضت هذا الانفتاح من جديد على العاصمة السورية في هذه اللحظة اللبنانية الحساسة وجعلت كل الطرقات نحو دمشق سالكة. وتعتقد المصادر أن الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد بات يستوجب انفتاحاً فعلياً حيث أن الاصلاحات الموعودة من خلال تعزيز القطاعات الانتاجية وتصريفها باتجاه الدول العربية سيمرّ حتماً عبر سوريا، لأن كلفته أقل من التصدير عبر البحر، الأمر الذي بات معروفاً لدى كل المسؤولين في لبنان.
أضف الى ذلك ان الواقع السياسي الذي فرض الابتعاد عن سوريا نتيجة الواقع العربي والانقسام الحاد في لبنان تبدّل اليوم، وباتت الدول العربية تحجّ باتجاه دمشق وتحديدا دول الخليج التي أعادت فتح سفاراتها واستعادت علاقاتها السياسية بالعاصمة دمشق، ولم يعد الخلاف بين سوريا والعالم العربي بنفس العمق الذي كان عليه في السابق ،بل بدأ يتحول تدريجياً الى علاقة طبيعية مع احتمال كبير وسريع لعودة سوريا الى جامعة الدول العربية، ولربما شكّل هذا الامر ضوءاً اخضر لدى المسؤولين الرسميين وشجّعهم نحو هذه الخطوة الجريئة في ظل الظروف القاسية التي يمرّ بها لبنان.من جهة أخرى، ترى المصادر أن خطاب أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله حول البواخر الإيرانية التي ستصل الى لبنان أو سوريا لعب دوراً كبيراً في سحب “الفيتو” الاميركي بعد إظهار الحزب، عن حق أو غير حق، بوصفه مساهماً في حلّ جزء كبير من الأزمة اللبنانية، لذلك كان لا بد، ومن ضمن الصراع الحاصل، أن يبادر الاميركيون الى خطوة سريعة تمثلت باجترار الكهرباء من الاردن الى لبنان عن طريق سوريا، الأمر الذي يتطلّب حواراً جدّياً ما أوحى بأن “قانون قيصر” أعطى استثناء للبنان فشكّل ذلك ارتياحاً لدى حكومة تصريف الاعمال في لبنان ومنحها هامشاً من الحركة في هذا الاتجاه.وبعيداً عن كل الكباشات السياسية لا بد من التأكيد، وبحسب المصادر، أن العلاقة بين لبنان وسوريا ستكون مفيدة للبنان، لا سيما في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها على الصعيد الاقتصادي، لأن البوابة السورية ستكون مدخلاً واسعاً وواضحاً باتجاه أسواق قد يستفيد منها كالعراق ودول الخليج بشكل خاص.