لأوّل مرة منذ العام 2011، أي تاريخ بدء الحربِ في سوريا، زار وفد لبناني حكومي رفيع المستوى، أمس السبت، العاصمة السورية دمشق، لمناقشة مذكرة تفاهم تتعلق باستجرار الكهرباء من الأردن عبر سوريا والغاز من مصر عبر الأردن وسوريا.
وكما هو معلوم، فإنّ هذه الزيارة جاءت بضوءٍ أخضر أميركي خصوصاً أنّ إقرار إمكانية استجرار الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا يأتي بموافقة ورعاية واشنطن. وفي هذه المسألة، فإنه سيكون هناك “كسرٌ لقانون قيصر” الذي يحاصر سوريا اقتصادياً. ومن خلال خرق ذلك القانون، سيتمكّن لبنان من الحصول على استثناء للتعاون مع دمشق من أجل الغاز، من دون التعرض لعقوبات دولية.
ووسط كل ذلك، تبرزُ أيضاً قضية النفط الإيراني المتّجه إلى لبنان وهو الملف الذي يعتبرُ خرقاً واضحاً في المنطقة، لاسيما أن الأطراف المناوئة لإيران (إسرائيل وأميركا) تتعامل مع الناقلات النفطية الإيرانية بحذرٍ شديد من دون أي اتخاذ أي خطوة ضدّها. وفي حال حصل ذلك، فإنّ “معركة بحرية” ستشتعل ما يعني حرباً مفتوحة لا تُحمد عقباها.
وفعلياً، فإنه من خلال الجمع بين مسألتي الغاز المصري والنفط الإيراني، سيتبين أن واشنطن تواجهُ مأزقاً بشأن لبنان. وتفصيلاً، فإن الولايات المتحدة تريدُ إقرار استثناء للبنان للحصول على الغاز المصري عبر سوريا، وهذا يعني إبعاداً لشبح العقوبات عنه وبالتالي مساعدته للحصول على الطاقة. أما في المقابل، فإن أميركا سترى نفسها مترددة في اتخاذ أي خطوة تساهم في معاقبة لبنان إذا حصل على النفط الإيراني عبر سوريا أيضاً. فلبنان يختنق بسبب أزمة الوقود وهناك تعويلٌ على أن النفط الإيراني قد يساهم في تنفيس الأزمة، وفي حال بادرت أميركا إلى معاقبة لبنان بسبب حصوله على ذلك النفط، فإنها ستكون بنظر شريحة واسعة من اللبنانيين قد أجهضت الحلول وزادت الأزمة في بلدهم، وهو الأمر الذي لا تريده واشنطن خصوصاً أن هناك سعياً دؤوباً من قبلها لوضع لبنان على سكة الحل.
وفي ظل هذا المشهد، فإنّ لبنان سيكون ساحة للتنافس والتسابق على حلّ الأزمة فيه، وسيكون هناك ضغطٌ إضافي لإيجاد طرقٍ عديدة تساهم في استقرار الأوضاع. وبشكل أكيد، فإنّ أميركا لن تسمح للبنان بأن يكون منصة تتحكم بها إيران، لكنها في الوقت نفسه لن تزيد الضغط على لبنان الذي سيدخل إليه النفط الإيراني بمسعى من “حزب الله”.
ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، فإنّ ما يحصل على صعيد ملف النفط الإيراني سيعزز من قوة “حزب الله” كما أنه سيساهم في ارتفاع أسهمه في الأوساط الشعبية المناوئة له في حال تأمن المازوت لفترة معينة وساهم في حل الأزمة مؤقتاً. ومن دون أدنى شك، فإنّ تعاظم قوة “حزب الله” في لبنان هو خيارٌ لا تريده أميركا من جهة ويخشاه العدو الإسرائيلي من جهة أخرى، إذ بات يعتبرُ أن لبنان يُدار من خلال “جماعة إرهابية” وهو أمرٌ مقلق للغاية بالنسبة لتل أبيب.
كذلك، فإنّ فرض واشنطن أي عقوبات على لبنان بسبب بعض الأطنان من المازوت، سيساهم في إجهاض ملف استجرار الغاز المصري إليه، كما أن كل الضغط الأميركي لحل الأزمة السياسية في لبنان سيصبحُ غير قابل للتبلور. ومن وجهة نظر الدول الغربية، فإنّ لبنان قد ينزلق أكثر نحو اقتتال بسبب اشتداد الأزمة فيه، علماً أن الأحزاب الأخرى ليس لديها قوة مالية وعسكرية تُضاهي قوة “حزب الله”، ما يعني أن انحلال الدولة سيكونُ لصالح تعاظم قوة الحزب. وهنا، فإنه عندما يتحقق ذلك، ستعتبرُ الولايات المتحدة أن لبنان سقط بيد طهران وهو الأمر الذي يعتبرُ تهديداً لإسرائيل أولاً. وبشكل أكيد، فإنّه ليس من مصلحة أميركا ولا الدول الغربية سقوط مبدأ الدولة، وهنا كان الخيار بدعمِ الجيش لزيادة قدرته على مواجهة الخضات الأمنية وإحكام سيطرته على كافة الأراضي اللبنانية، إذ تعتبرُ المؤسسة العسكرية هي الركن الاساسي لانتظام الأمن في لبنان.
ولعدم الوصول إلى سيناريو غير محسوب، فإنّ واشنطن قد تُبادر إلى تقديم التسهيلات أكثر للبنان وعدم فرض أي عقوبات عليه، وهو الأمر الذي قد يفتح الباب أمام حلول كثيرة. وكما سمحت الولايات المتحدة للبنان بالتعاون مع سوريا بشأن الغاز المصري، فإنها قد تعمل أيضاً على تكريس الدعم المالي والاعفاءات وتذليل أي شبح للعقوبات عنه. أما في ما خصّ النفط الإيراني، فإن تكريس وصوله إلى لبنان أول مرة يعني أن الناقلات الأخرى ستدخل بحرّية، لكن مسألة استمرارية ذلك سيحكمه الوقت خصوصاً أن “حزب الله” لا يعتبر نفسه بديلاً عن الدولة في هذا الملف. ولهذا، فإنه فإن سيناريو توقف السفن الإيرانية عن التوجه إلى لبنان قائم ووارد في وقت ما، ما يعني أنّ الحل الموضعي للأزمة والذي اقترحه “حزب الله” قد ينتفي، وهنا سيكون دور الولايات المتحدة في الدعم التمويلي للبنان وتقديم التسهيلات لعدم وقوع البلاد في أزمة جديدة تساهم في توتر الأوضاع أكثر وتقودنا نحو السيناريو الأخطر.
وبالإضافة إلى هذا الأمر، فإنّ سلوك لبنان الطريق نحو الحل لن يكون من دون حكومة إصلاحية تساهم في تنفيذ كل الخطوات الضرورية المؤسّسة للمرحلة المقبلة. إلا أنه وسط ذلك، فإن هناك مخاوف من أن يساهم الدعم الحيوي للبنان في مجال الطاقة من جعل الدولة اللبنانية تتقاعس في استصلاح قطاع الكهرباء عندما تعتمدُ على خط الغاز المصري، خصوصاً أن الغرب اشترط على لبنان اصلاحاً هيكلياً قبل الحصول على المساعدات، لكن ما قد يحصل هو العكس.