شكلت الزيارة الرسمية التي قام بها الوفد الوزاري اللبناني الى سوريا مدخلا جديا للنقاش عن عودة الدور السوري في لبنان وما اذا كانت الجغرافيا تحتم على سوريا تفعيل دورها السياسي على الساحة اللبنانية والاستفادة من كونها ممرا اقتصاديا وحيدا للبنان.
النقاش هنا يدور بشكل اساسي حول توفر الظروف الاقليمية والدولية لمثل هذه الاندفاعة السورية، خصوصا ان دمشق تمكنت في السنتين الاخيرتين من حسم سيطرتها شبه الكاملة على الاراضي السورية، وها هي اليوم تمسك بزمام المبادرة حتى في درعا التي امتلكت خصوصية كبرى بسبب التسوية التي حصلت بين الجيش السوري والمسلحين المعارضين.
لا شك بأن التطبيع العربي مع دمشق بعد حرب كبرى وخلافات هائلة، بات امرا واضحا ينتظر اللحظة السورية المناسبة ليصبح علاقات عربية رسمية وتعود بذلك سوريا الى الجامعة العربية، ولعل الرياض وابو ظبي هما من اكثر المتحمسين لفتح صفحة جديدة مع الرئيس بشار الاسد نظرا لوجود مصالح مشتركة بين دولهم.
هكذا تبدو الساحة اللبنانية اكثر قابلية لعودة سوريا اليها، خصوصا بعد ما حكي وتم تسريبه في وسائل الاعلام قبل اشهر من ان مفاوضات بغداد بين ايران والسعودية طرحت المسألة اللبنانية، وكان هناك توجه مشترك بأن تلعب دمشق دورا في بيروت على قاعدة اعطاء مساحة لدولة ثالثة في الساحات التي يصعب الاتفاق فيها بين الطرفين.
المفارقة، وبحسب الرواية الاعلامية، ان الدولة الثالثة هي سوريا، ما يعطي مؤشرا واضحا عن شكل التعاطي الخليجي مع دمشق وحجم التحول الفعلي في العلاقة، وهذا الامر سيجعل القابلية اللبنانية الداخلية افضل للتعاطي الجدي مع سوريا.
لكن العوائق تكمن بشكل اساسي بموقف الولايات المتحدة الاميركية، اذ لا تزال واشنطن غير متحمسة للعلاقة الايجابية بين دول الخليج ودمشق، وترى ان عزل النظام في سوريا بعد انتصاره العسكري ضرورة، ولعل هذا العامل هو الذي وقف في السابق عائقا امام تأجيل عودة العلاقات العربية بدمشق.
لذلك تبدو واشنطن قادرة على فرملة اي اندفاعة رسمية لبنانية بإتجاه سوريا، وستتمكن من ادارة التحول الحاصل في المنطقة وفي لبنان، كي لا يتحول الى انهيار سياسي لحلفائها. ومن المتوقع ان لا تكون الزيارة الوزارية الاخيرة الى سوريا اولى احجار الدومينو، بل مجرد فتح لمسار جديد من العلاقة ستحاول دمشق وحلفائها تزخيمه، في حين ستحاول الولايات المتحدة تقنينه.