كتب المحرر السياسي: “قد لا تكون المقارنة في مكانها، وقد لا تكون جائزة أساسًا، فما يسري على أفغانستان لا يسري على لبنان. صحيح أنّ “الفوضى” تستوطن البلدين، ولكنّ واقع أفغانستان لا يشبه أيّ واقع. في تلك الدولة البعيدة نسبيًا، حربٌ دمويّة عسكريّة، ربما وضعت أوزارها، على وقع الانسحاب الأجنبي، وتحديدًا الأميركي، وربما لم تفعل بعد، في ظلّ المعارك المستمرّة.
مع ذلك، ثمّة نقاط مشتركة بين الدولتين. في لبنان كما في أفغانستان، حديث عن “انهيار” على كلّ المستويات، من السياسة إلى الاقتصاد، وسط تحذيرات من “حروب أهلية” بالجملة. في الدولتين، نظام اقتصادي يلفظ أنفاسه الأخيرة، ومواطنون يريدون “الفرار”، خوفًا من حزب حاكم، ربما، ولكن قبل ذلك، من مصير “مشؤوم” يبدو “محتّمًا”.في الدولتين أيضًا، “عين دوليّة” تراقب بحذر. في أفغانستان، تكاد تكون الأنظار “مشدودة” نحو سلوك حركة طالبان، العائدة إلى الحكم بعد عشرين عامًا من الإطاحة بها، والطامحة لتكريس نموذج جديد، مختلف عن صورتها السابقة. وفي لبنان، مجتمع دولي ينتظر ليراقب أداء طبقة سياسيّة وعدت بإصلاحات اقتصاديّة واجتماعيّة، ولم تَفِ بشيء.
طالبان فعلتها!
رغم كلّ ذلك، يبقى الأكيد أنّ المقارنة لا تجوز. أفغانستان ليست لبنان. حرب أفغانستان لا تشبه شيئًا آخر. الفوضى في مطار كابل تخطف كلّ الأنظار والقلوب. وكأنّ كلّ ذلك لا يكفي، جاءت المعارك في وادي بنجشير لتنذر بالأسوأ. ليس مكتوبًا على هذه الدولة أن تعيش بسلام، بعد عشرين عامًا ويزيد من الخراب والدمار والحروب. أفغانستان ليست طالبان، وحركة طالبان “شبه المنبوذة” من معظم دول العالم، التي لا تزال “حَذِرة” في الانفتاح عليها والتعامل معها، ولو بحكم الأمر الواقع، لا تشبه أحزابنا “القوية” التي تتحكّم بالعباد والبلاد. لكنّ طالبان هذه فعلت في مدّة وجيزة ما عجز عنه قادتنا، وألّفت حكومة، رغم كلّ الضغوط والتحديات، ولو كانت “بالحدّ الأدنى”، وفيها الكثير من الشواغر.على الأقلّ، نالت الحركة “المُحاصَرة” شرف “المحاولة”، محاولة “إنقاذ” البلاد من مصيرها “الأسود”. أرادت تأليف الحكومة، رغم كلّ المعوّقات والصعوبات، لتصريف الأعمال كما قالت، وبالتالي تسيير شؤون الدولة بالتي هي أحسن، رغم انشغالها بمعارك قد تكون شديدة التعقيد، في ضوء الظروف “الحسّاسة” التي تشهدها على كلّ المستويات.لبنان ليس أفغانستانمرّة أخرى، لا تجوز المقارنة، فلبنان ليس أفغانستان. لكن، إذا كانت طالبان بكلّ التحدّيات التي تواجهها في الداخل، والضغوط التي تواجهها من الخارج، نجحت في وضع “حجر الأساس” للإنقاذ من خلال تشكيل الحكومة، يصبح السؤال مشروعًا عن حال لبنان، العاجز عن تأليف الحكومة منذ عام ونيّف، والذي لا يزال يربط هذه العملية باستحقاق إقليميّ من هنا، وضمانة خارجية من هناك.هكذا، حُكي قبل يومين عن “انفراجة” على وقع اتصال بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والإيراني إبراهيم رئيسي، تمامًا كما رُبِطت الحكومة سابقًا بكلّ استحقاقات العالم، من الانتخابات الأميركية، إلى الاتفاق النووي ومحادثات فيينا، مرورًا بالانتخابات الإيرانية، من دون أن ننسى الحوار السعودي الإيراني، وحرب اليمن، إلى آخره من الأحداث التي وُضِعت على منعطف الحكومة، ومرّت من دون أيّ تأثير يُذكَر.هكذا، تثبت الأحزاب “القوية” فشلها، مقارنةً بوضعٍ عصيّ كأفغانستان. لم تؤلَّف الحكومة بعد، ولا تزال “عالقة” على إيجابيّة مرتجاة هنا أو هناك، في وقتٍ تستمرّ العصيّ في الدواليب، كرمى لعيون وزير من هنا أو هناك، وفي سبيل حصّة بالزائد أو بالناقص، وعلى وقع ثلث معطّل يتقاذفه البعض، رغم إدراكهم أنّ لا قيمة ولا جوهر له، فيما البلد برمّته أصبح، أو يكاد، في مهبّ الريح.لا أحد يريد “استنساخ” سيناريو أفغانستان في لبنان، لا لجهة الحرب المدمّرة التي لم تنتهِ فصولاً بعد، ولا لجهة المسار السياسي المترنّح رغم كلّ شيء، وسط مخاوف من فوضى وانهيار وما شابه. لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أيضًا أنّ استمرار الوضع على حاله، قد يجعل من لبنان “نسخة مصغّرة”، وربما غير منقّحة، عن أفغانستان، فهل من يتّعظ ويعتبر قبل فوات الأوان؟.