كتب المحرر السياسي:
منذ وقتٍ متأخّر من ليل أمس، عاد ضخّ الأجواء الإيجابيّة على خطّ تأليف الحكومة. لم يُعرَف على وجه التحديد ما إذا كانت “حقيقيّة وثابتة” هذه المرّة، أم أنّها مجرّد “مناورة” أخرى يُراد منها ملء الوقت “الضائع”. تعزّز ذلك بغياب المعلومات الرسميّة، وصمت الرئيس المكلّف المعبِّر، واقتصار كلّ الإيجابيّات على “تسريبات” قد تصدق، لكنّها قد لا تفعل.
يقول البعض، ولا سيّما في الدوائر القريبة من رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، إنّ الاتفاق النهائيّ بات “مُنجَزًا”، وأنّ التشكيلة الحكوميّة تخضع للمسات الأخيرة، وأنّ ساعات قليلة تفصل عن تحديد موعدٍ للرئيس المكلف لزيارة بعبدا، على أن تصدر بنتيجة الزيارة المراسيم الموعودة التي ينتظرها اللبنانيون منذ أشهر طويلة، وتبصر الحكومة النور.
ومع أنّ القاعدة اللبنانية المتعارف عليها، والمدعومة بشدّة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، تقول “ما تقول فول تيصير بالمكيول”، ثمّة من بدأ يطرح أسئلة عن مرحلة ما بعد تأليف الحكومة، إن تحقّقت “المعجزة” وشُكّلت في الساعات القادمة، وعن “التحديات” التي تنتظرها، والتي لا شكّ في أنّها ستكون “ثقيلة”، بالنظر إلى الواقع “الكارثيّ” الذي تشهده البلاد على كلّ المستويات.
“المخاض” لم ينتهِ
في المبدأ، فإنّ إصدار مراسيم تأليف الحكومة، إن حصل، لن يكون نهاية “المخاض”، إن جاز التعبير، إذ تنتظر مجلس الوزراء المقبل الكثير من “التحديات”، حتّى قبل أن يباشر عمله ومهامه بصورة رسميّة، في ظلّ خشية حقيقيّة من يؤدّي غياب “التجانس” بين مكوّناته إلى ضعف في إنتاجيّته، ولو أنّ الرئيس المكلّف يؤكّد منذ اليوم الأول أنّه يعمل على تشكيل مجلس وزراء قوي وقادر على الإنجاز، وهنا بيت القصيد.
بمقتضى الدستور، ستكون أولى المهام أمام الحكومة الجديدة، إن قُدّر لها أن تبصر النور، متمثّلة بصياغة البيان الوزاري. ورغم أنّ البعض يعتقد أنّ الأمر لن يكون “معقَّدًا”، وبالإمكان “الاستئناس” ببيانات الحكومات المتعاقبة، ثمّة من يجزم أنّ القصّة لن تكون بهذه السهولة، لا سيّما في ظلّ تبدّل المعطيات وتغيّرها، فضلاً عن اللحظة الإقليمية والدولية “الحَرِجة”، وشعور البعض أنّ هناك من “ينتظر” هذه الحكومة “على المفرق”.
وبعد البيان الوزاري، تأتي مسألة الثقة التي تحتاجها الحكومة من البرلمان، والتي يخشى البعض أن تثير “فتيل” أزمة أخرى، خصوصًا إذا ما أصرّ “التيار الوطني الحر” على حجب ثقة نواب تكتل “لبنان القوي” عن الحكومة، التي يُقال إنّه “شريك أساسيّ” فيها من خلال رئيس الجمهورية، وهو ما قد يؤدّي إلى انطلاقة “متعثّرة” لمجلس الوزراء، الذي يُنتظَر منه ومن القوى التي يُحسَب عليها، تكريس “التضامن الوزاريّ”، بأفضل السّبُل الممكنة.
لا “عصا سحريّة”
وبعيدًا عن المسار الدستوري وتحدّيات “الثقة” المحيطة به، ثمّة من يشير إلى أنّ “المهمّة الأصعب” التي ستواجهها الحكومة، إن كُتِبت الخاتمة السعيدة أصلاً لمشاورات تشكيلها، ستتمثّل في “المقاربة” الاقتصاديّة والاجتماعيّة، خصوصًا في ضوء اعتقاد خاطئ تمّ تكريسه على مدى الأشهر الماضية، يوحي وكأنّ مجرّد تشكيل الحكومة سيؤدّي إلى “حلحلة” تلقائيّة للكثير من الأزمات، و”ارتياح” شعبيّ قلّ نظيره.
فمع أنّ المنطق “يناقض” أيّ تفكير من هذا النوع، ولو أنّ “رهان” البعض هو على انخفاض سريع، ولكن نسبيّ، في سعر صرف الدولار، قد يكون واقعيًا، إلا أنّ الحكومة قد تواجه مصاعب في إقناع الناس بضرورة “الصبر”، لأنّها لن تمتلك “عصا سحريّة” لحلّ الأزمات دفعة واحدة، علمًا أنّ تشكيلها لن يكون سوى خطوة أولى في مسار طويل، لن يؤدّي إلى “الفرج” سوى إذا تُرجِم بإقرار وتطبيق الإصلاحات التي ينتظرها المجتمع الدولي.
وفي وقتٍ يخشى كثيرون من “انقسام” على “جوهر” هذه الإصلاحات بين مكوّنات الحكومة، خصوصًا أنّ هناك من يضعها في خانة “الخضوع لإملاءات” المجتمع الدوليّ، غامزًا من قناة “نظرية المؤامرة وغيرها”، يرى آخرون أنّ الحكومة، إذا ما شُكّلت اليوم، لن يكون بوسعها فعل الكثير، طالما أنّ استحقاقًا انتخابيًا على الأبواب في غضون ثمانية أشهر، وينبغي أن يشكّل “أولويتها القصوى”، بعيدًا عن رغبة البعض بـ”تطيير” الاستحقاق عن بكرة أبيه.
قد تصدق التكهّنات هذه المرّة، فتولَد الحكومة في الساعات المقبلة، وقد يتبيّن مرّة أخرى أنّ كلّ الضخّ الإعلامي لم يكن حقيقيًا، وأنّ المقصود منه كان ربما “التشويش” على نتائج المفاوضات. لكنّ الأكيد أنّ ولادة الحكومة، إن حصلت، لن تكون نهاية المطاف، ولو أنّها تعني تجاوز “قطوع” كلّف الكثير، على امتداد أكثر من عام، حفل بأشهرٍ “ضائعة” من الرزنامة السياسيّة!