ينتظر الحكومة الميقاتية الكثير من العمل. ويُعلّق عليها الكثير من الآمال، من دون أن نسمح لأنفسنا بالتمادي في توقّع المعجزات،فالظرف صعب فيما الوسائل محدودة وضئيلة. وهذا بسبب تراكم الأزمات فوق بعضها البعض، بحيث يحتار المرء من أين يبدأ في المعالجات، ووفق أي أولوية، ووفق أي أجندة؟
أسئلة كثيرة تُطرح من هنا ومن هناك. بعضها بريء، والبعض الآخر فيها الكثير من التذاكي ومحاولات من قبل بعض الجهات السياسية لتصفية حسابات سياسية قديمة، بإعتبار أن هذه الجهات لا تجيد سوى وضع العصي في الدواليب، ومحاسبة الآخرين على النوايا.
من يطرح الأسئلة البرئية هم الناس العادّيون، الذين ينتظرون من هذه الحكومة الكثير من الإنجازات، والكثير من العمل من أجل إعادة الإعتبار إلى حياتهم، التي بدأت تفقد قيمتها الإنسانية، وذلك بفعل ما يتعرّضون له من مذّلة ومهانة في كل مرّة يضطّرون فيها إلى شراء دواء من صيدلية، أو إدخال مريض إلى مستشفى، أو تعبئة “تنكة” بنزين أو مازوت.
هذه الأسئلة الكثيرة، والتي لها بداية من دون نهاية، ستكون محور البيان الوزاري، الذي سيكون خارطة طريق عمل هذه الحكومة، التي ستحاول، قدر الإمكان، البدء بمعالجات صغيرة، ولكنها أساسية، قبل الوصول إلى الخطوات الكبيرة، والتي تحتاج إلى الكثير من العمل ومن الوقت، لأنها غير مرتبطة بعوامل داخلية بحتة، بل لها إرتباط عضوي بما يمكن أن تحرزه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من تقدّم، مع ما يمكن أن تقدّمه الدول والمنظمات المانحة من مساعدات فورية على مختلف الصعد.
وبغض النظر عما إذا كان من يطرح الأسئلة “الخبيثة”سيحاول العرقلة في مكان ما، فإن الحكومة الميقاتية آتية وفي ذهنها أمر واحد، وهو محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل ولوج عتبة الاستحقاق النيابي. وفي العناوين الكبرى يمكن الحديث عن ثلاث مهام رئيسية تنتظر هذه الحكومة؛ الأولى وقف الانهيار والحد من تفاقم الأزمات، الثانية إطلاق المفاوضات مجدداً مع صندوق النقد الدولي لإدخال عملات أجنبية إلى البلد، والثالثة إدارة الانتخابات النيابية والحرص على إنجازها في موعدها.
ولكل من هذه العناوين الرئيسية عناوين فرعية يمكن التطرق إليها بالتفصيل وفق الأولويات، وذلك تحت عنوان عريض ورئيسي، وهو إستعادة ثقة الناس بدولتهم ومؤسساتها بعدما كفروا بكل شيء له علاقة بهذه الدولة، التي يتهمونها بأنها “صادرت” أموالهم” وجوعتّهم وأذلتهم وهجرتّهم وفقرتهم.
فالخطوات الصغيرة والمتتالية كحلقات مترابطة في سلسلة طويلة، مطلوبة اليوم قبل الغد، وهي التي ستقرّب المسافة من جديد بين المواطن ودولته، خصوصًا إذا لمس أن هناك مساعي جدّية من قبل الحكومة الجديدة على تقديم بعض الحلول العملية للمشاكل الكثيرة التي يعاني منها كل مواطن في أي منطقة من المناطق اللبنانية، وبالأخص المناطق التي تُعتبر من المناطق المهملة والمحرومة من خدمات الدولة ومن الإنماء المتوازن.
وأول هذه الخطوات قبل الوصول إلى الخطوات الكبيرة، وضع حدّ لمعاناة اللبنانيين بالنسبة إلى فقدان الأدوية الضرورية من الصيدليات، وذلك بإتخاذ سلسلة إجراءات عملية، وأولها تعزيز الصناعة المحلية للكثير من الأدوية التي تُنتج في لبنان، وتقديم الدعم لهذه المصانع من خلال المساعدات الفورية التي تأتي إلى لبنان عن طريق المنظمات الإنسانية التي أبدت إستعدادها لتقديم ما يلزم في هذا المجال، بالإضافة إلى تكثيف العمل على دهم المستودعات التي تخزّن الأدوية لأكثر من سبب وغاية، وعدم تغطية أي مخالف، بإعتبار أن الجميع خاضعون للقوانين، وأن ليس أحد فوقه خيمة أو مظّلة تحميه من تطبيق القوانين والعدالة.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى محطات المحروقات وتوفير مادتي البنزين والمازوت، وهما مادتان حيويتان واساسيتان لمعيشة الإنسان، خصوصًا أننا مقبلون على فصل الشتاء، حيث تكثر الحاجة إلى هاتين المادتين.
فإذا تمكنّت هذه الحكومة من تحقيق هاتين الخطوتين في مرحلة أولى تستطيع بعدها الإنصراف إلى حلحلة المشاكل الأخرى العالقة، ومن أهمها إنقاذ العام الدراسي. وهكذا تستطيع هذه الحكومة كسب ثقة الناس مجدّدًا.