كتب نبيل هيثم في” الجمهورية”: صار في مقدور نجيب ميقاتي أن يجاهر أيضاً، بأنّ تلك الحقبة قد انطوت وتكسّرت وكلّ ما شابها زال أثره نهائيّاً.. وأنا رئيس مجلس الوزراء، وأنّا أبو الحكومة صاحبة القرار، أنا الذي أمثّلها وأتكلّم باسمها والمسؤول عن تنفيذ السياسة العامة التي تضعها، لا يستطيع أن ينازعني في صلاحياتي أحد، هكذا يقول الدستور.
ما من شك أنّ تأليف الحكومة الميقاتيّة الثالثة، جاء في أكثر لحظات البلد خطورة ودقّة. ويعترف نجيب ميقاتي أنّ مهمّته صعبة، إنّما ليست مستحيلة. فلديه كلّ العزّم على العمل كما قال، إلّا أنّه مدرك في الوقت نفسه، أنّ اليد الواحدة لا تصفّق. ولذلك بادر إلى أن يمدّ يده إلى الجميع، للشراكة في مهمّة الإنقاذ والإصلاح.
على أنّ السؤال الذي يحضر هنا، هل سيُسمَح لهذه الحكومة بأن تعمل وتنتج، أم أنّها ستتعرّض لكمائن وتُزرع في طريقها الألغام والمعوقات؟
قد تستنتج الإجابة عن هذا السؤال من مجموعة ملاحظات برزت جليّة في موازاة تأليف الحكومة:
– أوّلاً، وهنا الاساس، إنّ نجيب ميقاتي المؤلِّف، غير نجيب ميقاتي المكلّف. فنجيب ميقاتي الأول حُكم في تجربته الحكومية الأولى لظروف مرحلة انتقاليّة لأشهر قليلة، وضعت اللبنات الأولى لنهج اختطّه في هذا المسار.
ونجيب ميقاتي الثاني في تجربته الثانية على رأس الحكومة، عُجن في مرحلة تزاحمت فيها النكايات والالتباسات والمناكفات والتباينات، والاشتباكات والتحدّي، فكانت تلك التجربة بحدّ ذاتها مدرسة أُدركت فيها كلّ اتجاهات الرياح السياسية وطلعاتها ونزلاتها.
وأمّا نجيب ميقاتي الثالث، فلم يتمسكن ليتمكّن، بل هو دخل معركة الحكومة متكئاً على تجربتيه السابقتين، ومستفيداً منهما ليسلك مساراً جديداً في إدارة العمل الحكومي، مدركاً فيه من أين تؤكل الكتف، وكيف يجنّب كتفه وكتف حكومته، الأكل، أمام أفواه سياسية تريد ابتلاع كلّ شيء.
حكومة ميقاتي، تُعدّ من أكثر الحكومات اللبنانيّة التي تحظى بهذا القدر الواسع من التأييد والتغطية والحصانة الواضحة والصريحة من المجتمعين الدولي والعربي، والدلالة البالغة تتجلّى في موقف الولايات المتحدة الاميركيّة وفرنسا ومعهما سائر دول الشرق والغرب. ولا تنحصر حدود هذا الدّعم الدولي الواسع بتغطية تشكيل هيكل حكومي فقط وكان الله يحب المحسنين، بل هي قوّة دفع كبيرة لتشكيلها طبعاً، ولإنجاحها في مهمّتها في آن معاً.
هذه الحكومة هي الأولى المحاطة بحاضنة شعبية لها، تتفهّم مهمّتها الصعبة، وتعوّل عليها لوقف المسار الإنهياري المريع للبلد، ومسلسل الإذلال اليومي للبنانيين في كل مفاصل حياتهم.
لا يستطيع أيّ طرف أن يتّهم الحكومة بأنّها حكومة «حزب الله»، بدليل مروحة المواقف الدولية التي محضّتها الدعم الكامل، وفي صدارتها الموقف الأميركي، الذي لو كانت هذه الحكومة حكومة «حزب الله»، فهل كان لهذا الدعم الدولي أن يُعلن بهذا الشكل الواسع؟
ثمة من «يتغنّج» ويقول إنّه قد يمنح الثقة للحكومة وقد لا يمنحها. إلّا أنّ هذا الغنج يفقد صلاحيّته مع الوقائع الجديدة التي بدأت من لحظة اعلان مراسيم تشكيل الحكومة. فمركب الحكومة انطلق، والمتغنّجون لا يستطيعون أن يبحروا في مسار معاكس له، وفي النهاية هم ملزمون بالإبحار في مركبٍ رئيسهم شريك فيه، والفرضية المنطقية في هذا السياق هي انّهم سيمنحون الثقة للحكومة بالتأكيد.. إلّا إذا كانت ثمّة قطبة مخفيّة بينهم وبين رئيسهم.. ففي هذه الحالة ينبغي ما قد يترتب عليها من تداعيات والتباسات في الآتي من الايام.