في أول جلسة لمجلس الوزراء الجديد، الذي سيعقد اليوم في القصر الجمهوري، سيتوجه الرئيس نجيب ميقاتي إلى الوزراء، وقد ارادهم منذ اللحظة الأولى أن يشكّلوا معًا فريق عمل واحدًا، بكلام صريح وواضح، وهو كلام يفرضه الواقع اللبناني المأزوم، وتحتّمه الظروف غير الطبيعية التي يعيشها اللبنانيون، جميع اللبنانيين، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن السهل إلى الساحل، مرورًا بالجبل ووصولًا إلى العاصمة بيروت.
هذا الكلام الذي سيقوله رئيس مجلس الوزراء اليوم ليس موجّهًا إلى اللبنانيين، الذين سمعوا منذ بدء أزماتهم حتى اليوم الكثير من الكلام ولم يروا أي عمل من شأنه أن ينتشلهم من القعر، بل سيكون موجّهًا إلى الوزراء، كل من موقعه السياسي والجغرافي والبيئي، وفي موقعه الوزاري، إذ أن الظروف غير الطبيعية التي نعيشها تفرض أن تكون كل الوزارات سيادية بإمتياز. فبمقدار ما تقدّمه أي وزارة من هذه الوزارات من خدمات للمواطن وتساهم في تحسين حياته اليومية وتؤّمن له أبسط مقومات العيش الكريم تكون هذه الوزارة سيادية وخدماتية. ليس هناك وزارات سيادية، بل وزراء سياديون.
فالوزراء يكونون سياديين عندما يقدّمون مصلحة المواطن على مصالحهم الخاصة، وعندما يضّحون بوقتهم وصحتهم من أجل المصلحة العامة. عندما يكونون في خدمة الشعب، وليس العكس. فالوزارة، أي وزارة، هي لخدمة الناس ولتأمين مصالحهم، وتوفير ما يحتاجون إليه من دون كلفة ومن دون “تربيح جميل”، ومن دون تمنين.
فإذا كان العمل اليومي في الوزارات والإدارات العامة يفرض تأمين ساعات محدّدة وفق قانون العمل، فإن الظرف غير الإستثنائي يحتّم على هؤلاء الوزراء، ان يعملوا 24 ساعة على سبعة أيام. فالوقت هو للعمل ولا مجال للراحة.
لقد أرادوا بملء إرادتهم أن يتفرّغوا للخدمة العامة، وهذه الخدمة تعني الكثير بمفهومها الإجتماعي والروحي، وهي تقوم على ركائز عدّة، وأهمها الإستماع إلى صوت الناس والعمل على تلبية مطالبهم، وعدم التهاون مع الموظفين المقصرّين، على رغم ظروفهم القاسية أيضًا، لأن الموظف والعسكري يعاني مثلما يعاني أي مواطن. فهو يحتاج إلى الدواء، وإلى البنزين والمازوت، ويسعى بيديه ورجليه من أجل تأمين رغيف الخبز لعياله. فالثواب ينتظر الموظف المجتهد. أمّا العقاب فسيكون من نصيب الموظف المهمل لوظيفته وغير المنتج والكسول وغير المنتظم والفوضوي والمرتشي والفاسد.
ما سيطلبه الرئيس ميقاتي من وزرائه قبل المباشرة بمهامهم، وقبل تسلمّ مقاليد وزاراتهم من أسلافهم، هو ما سيطلبه من نفسه أولًا وأخيرًا.ما سيطلبه الرئيس ميقاتي من كل وزير على حدة، ومن كل الوزراء مجتمعين كفريق عمل واحد، هو ما يطالب به الشعب منذ ثورة 7 تشرين الأول. سيطلب منهم أن يسمعوا صوت الشعب. أن ينزلوا إلى الطرقات والشوارع. أن يتحسّسوا معاناة الناس. أن يكونوا إلى جانب ناسهم وأهلهم. أن يسمعوا أنين الموجوع، ويشعروا بجوع الجائع. أن يشاركوا حرقة الأمّ التي أُجبرت على رؤية فلذة قلبها ووحيدها يهاجر سعيًا وراء فرصة عمل وغدٍ أفضل. سيطلب من وزرائه أن يكونوا شهود حق لا شهود زور.