في أول جلسة لمجلس الوزراء بدا الكلام الإستهلالي لكل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وكأن ثمة تطابقًا في الأفكار، التي تشكّل أولوية في مثل هذه الظروف العصيبة والإستثنائية، التي يمرّ بها البلد، إذ أنه لم يشهد في تاريخه القديم ولا في تاريخه الحديث مثل هكذا أزمة تطال كل أرجائه، وتزّنره بحزام من البؤس والهمّ والغمّ.
فخامة الرئيس تحدّث عن المسؤوليات الوطنية والتاريخية الكبرى من أجل تفعيل دور الدولة ومؤسساتها واستعادة الثقة بها. ودعا إلى عدم تضييع الوقت “اذ لم يعد لدينا ترف البطء والمماطلة”، وقال “المطلوب إيجاد الحلول العاجلة لمعالجة الأوضاع المعيشية للمواطنين وإطلاق ورشة عمل سريعة لوضع لبنان على طريق الإنقاذ والتعافي والنهوض”.
ولأن الحكومة هي فريق عمل متجانس دعاها إلى تنفيذ برنامج انقاذي وتركيز الجهد لتحقيق المصلحة الوطنية العليا ومصالح المواطنين. فالوقت هو للعمل لذلك دعا الوزراء إلى “الإقلال من الكلام والإكثار من العمل”.
أمّا الرئيس ميقاتي فقال إن الوضع صعب للغاية، ولكن بالإرادة الصلبة والتصميم والعزم والتخطيط نستطيع جميعا، كفريق عمل واحد، أن نحقّق لشعبنا الصابر والمتألم بعضًا مما يأمله ويتمناه.
وتوجه الى الوزراء بالقول :”لا تخيبوا آمال اللبنانيين. لتكن اقوالكم مقرونة بالأعمال. الوقت ثمين ولا مجال لإضاعته. نجاحكم في وزاراتكم يعني نجاح جميع اللبنانيين في الوصول إلى ما يؤمن لهم حياة كريمة لا ذل فيها ولا تمنين”. بهذه الصورة أوحى الكلام الرئاسي أن ما ينتظر الوزراء ليس سمنًا ولا عسلًا، بل عطاء بلا حدود، لأن الظرف الذي نعيشه لا يسمح لأحد، أيًّا تكن مسؤولياته، بالمماطلة والتسويف، إذ من غير المسموح تأجيل عمل اليوم إلى الغد، لأن للغد مشاكله، وفي كل يوم سنكتشف أزمة جديدة تُضاف إلى الأزمات السابقة. لذلك على الوزراء الجدد أن يعتادوا على أن المسؤول الأول، دستوريًا، عن أعمالهم سيلاحقهم في أّدّق التفاصيل المتعلقة بوزاراتهم وما فيها من مشاكل، خاصة تلك الوزارات التي هي على تماس مباشر مع الناس. فالأمور الحياتية المتعلقة بيوميات المواطنين هي أولوية الأولويات، وبالتالي لا يجوز التهاون بمصالح الناس وعدم تلبية حاجاتهم والإسراع في إنجاز معاملاتهم بأقصى سرعة ممكنة ومن ضمن الإمكانات المتاحة والمتوافرة. وكما يُقال فإن صاحب الحاجة لجوج ومتطّلب. لذلك على الوزراء وبالأخصّ الخدماتيين منهم السهر على أن تكون الخدمة التي ستقدّم للمواطنين مجانية في الدرجة الأولى، والعمل على وقف الرشاوى، لأن التفتيش المركزي بكل ما لديه من خبرة وإمكانات سيضعها في تصرّف الوزراء المطَالبين بتطبيق مبدأ الثواب والعقاب في الإدارت التابعة لهم، والبدء بمحاسبة عادلة وشفافة توصلًا إلى تجفيف منابع الفساد الإداري والمالي، كمقدمة لا بدّ منها للوصول إلى القضاء على هذا المرض، الذي يعتبره الجميع علّة العلل، والذي لا يزال يحول دون إنجاز الإصلاحات المطلوبة في الجسم الإداري وفي الهيكلية العامة للدولة. هذه هي الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل من العملية الإصلاحية، التي مفترض بها أن تكون عملًا يوميًا ومستمرًا، ومن دون توقّف أو تهاون.