حان زمن تحرير سعر صرف الدولار بالكامل؟ أي تداعيات؟

16 سبتمبر 2021
حان زمن تحرير سعر صرف الدولار بالكامل؟ أي تداعيات؟

يندرج تحرير سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية في قائمة مطالب صندوق النقد الدولي إلى جانب رفع الدعم الكلي. مع تأليف الحكومة وتضمين بيانها الوزاري التفاوض مع صندوق النقد حول خطّة للتعافي، عاد الحديث عن تعويم سعر الصرف. فهل يتحقّق في المدى القريب؟ وما هي تداعياته؟
تعويم سعر الصرف، يعني ترك السوق يحدّد السعر المناسب لليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، بحيث يتحكّم العرض والطلب بقيمة العملة. هناك طريقتان لتحرير سعر الصرف، الطريقة الأولى عبر التحرير الفوري أو التوحيد السريع، اما الطريقة الثانية فعبر التحرير الموجّه أو التوحيد التدريجي. في الحالة الأولى يُرفع الدعم بالكامل عن كلّ السلع والقطاعات بشكل فوري، بما فيها الأدوية والمحروقات والطحين، فتُحرر الأسعار بالكامل وتخضع لدولار السوق الموازية، فتشمل بدلات الإيجارات، وفواتير الإستشفاء على عاتق الجهات الضامنة، والقروض المصرفية، وأقساط طلاب الجامعات، وغيرها من الأسعار. في الحالة الثانية يتم توحيد سعر الصرف على مراحل. قد يقول البعض إنّ عملية تحرير سعر الصرف حصلت فعليًّا، وأنّ بورصة الدولار في السوق الموازية تعكس السوق الحقيقي، وأنّ سعر الصرف الرسمي على 1507 غير موجود بتاتًا، لكن ذلك غير صحيح، بدليل القطاعات التي لا زالت تخضع لدولار السعر الرسمي، وتلك التي تخضع لأسعار صرف متعددة، منها سعر السحوبات الشهرية وفق التعميم 151 أي 3900، ومنها على سعر منصّة صيرفة، والمحروقات على سعر 8000 ليرة تمهيدًا لرفعها بالكامل.
الخبير المالي والإقتصادي الدكتور بلال علامة يستبعد في حديث لـ “لبنان 24″أن تلجأ الحكومة إلى خيار تعويم سعر الصرف بشكل فوري، من شأن هكذا قرار أن يحدث تداعيات اجتماعية ومعيشية خطرة، فرغم وجود عدّة أسعار لسعر الصرف، لا زال الكثير من الأسعار مرتبط بالسعر الرسمي “باعتقادي لبنان غير جاهز للتعويم الكامل، ومصرف لبنان لا يملك احتياطات بالعملات الأجنبية تسمح له بالتدخل في السوق. بالمقابل الخيار الثاني يتقدّم، أي أن يسير التعويم بخطى تدريجيّة ومرحليّة، ويطال في كلّ مرحلة قطاعات دون الأخرى، فتتحرّر القطاعات رويدًا رويدًا وفق خطّة مرحلية، على مدى عامين، وصولًا إلى التعويم الكامل، بعد أن يتمّ ضخ المساعدات من قبل صندوق النقد والجهات المانحة في النظام المالي، بما يتيح للمصرف المركزي أن يتحكّم بالسوق أو على الأقل ضبطه. عندها يتحرر السعر بالكامل ويحلّ المركزي بديلًا لبيع الدولار. على سبيل المثال يطال رفع الدعم أو تحرير السعر، المحروقات في الوقت الحالي، لاحقًا المواد الغذائية كافة، تمهيدًا لتحرير سعر صرف الدولار، ليطال العقارات والقروض والتعاملات المصرفية، إلى حينه يكونوا قد قلّصوا أكبر نسبة من قيمة الودائع، التي يطالها حاليًا هيركات يصل إلى 70%. أمّا إذا طال التعويم القروض المصرفيّة وبدلات الإيجار في المرحلة الراهنة يكون ذلك بمثابة كارثة، فاليوم يمكن للمواطنين أن يسددوا بدلات الإيجار على 1500 عند كاتب العدل، بموجب قانون تمديد المهل حتى لو رفض صاحب الملك، علمًا أنّ بدلات الإيجار تتأثر بمعدل التضخم وترتفع وفق مؤشر التضخم كل سنة، في حال تحرير سعر الصرف، بظل تضخم وصل إلى 600% ترتفع البدلات بشكل كبير. بالتالي لن تتحرّر القروض وبدلات الإيجار إلا في المرحلة الأخيرة”.
كما لا يمكن تحرير السعر بالكامل ما لم تصبح الدورة المالية في الكتلة النقدية تحت السيطرة بمجملها، يضيف علامة “قبل اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف يجب رفع الدولار الجمركي مرحليًّا الى سعر معين، تمهيدًا لرفعه وفق سعر السوق في المرحلة المقبلة. من شأن تعديل الدولار الجمركي أن يرفع إرادات الدولة بنسبة 40%”.
هل تختفي السوق الموازية مع تحرير سعر الصرف التدريجي؟
“بطبيعة الحال تختفي السوق الموازية، أو ما اصطلح على تسميته بالسوق السوداء، في حال تمّ تحرير السعر بشكل تدريجي وفق إجراءات مخطّطة ومدروسة، وتحت سيطرة الأجهزة الرسمية، بدءًا من مصرف لبنان وصولًا إلى وزارة المالية والأجهزة الأمنية لمراقبة السوق الموازية”. 
هل يمكن للحكومة أن تتخذ قرارًا بتحرير سعر الصرف بمعزل عن إتفاق مع صندوق النقد الدولي؟
يوضح علامة ” الاتفاق مع الصندوق لتأمين سيولة مقابل التحرير وضبط السوق الموازية وصولًا إلى إزالتها. الأمر الذي يتطلب تكوين احتياطات بالعملات الأجنبية، يصبح معها المركزي قادرًا على بيع الدولار وتلبية طلبات المستوردين. إذن تحرير سعر الصرف يجب أن يتزامن مع جملة إجراءات، منها رفع الدولار الجمركي ودرس هيكلة الأجور، كما يتطلّب نظامًا مصرفيًّا سليمًا بالكامل، على عكس حال المصارف اليوم، والتي لم تمتثل لتعاميم المركزي المتعلقة بزيادة رأسمال المال وإعادة هيكلة المصارف ودمجها”.
تحرير سعر الصرف يتطلّب تصحيح الرواتب والأجور، خصوصًا أنّ القدرة الشرائية للموظفين تقلّصت بشكل كبير، وباتت تهدّد أمنهم الغذائي والصحي.
وبرأي علامة يجب إعادة هيكلة الرواتب على قاعدة درس الكلفة الإستهلاكية لعائلة من مؤلّفة من ثلاثة أشخاص، من سكن ومتطلبات أساسيّة، يتحدّد الحد الأدنى على أساسها، وصولًا إلى طرح السلسلة بما يتناسب مع الواقع المعيشي الجديد. لكن لا أتوقّع أن تتمكّن الدولة من دفع أي زيادة قبل البحث بكيفية رفع إيراداتها، وكي لا تكون الهيكلة بمثابة إنفاق بلا إيرادات ورفع إنتاجية، وكي لا تتكرر القرارات غير القابلة للتطبيق، كإقرار البطاقة التمويلية من دون توفير الأموال لها”.
بأي حال تحرير سعر الصرف، لن يكون بمعزل عن خطّة اقتصادية متكاملة، بدأت الحكومة ترسم معالمها في بيانها الوزاري، لتستكملها بعد بدء مهامها فعليًا، وتتفاوض مع الصندوق النقد على أساسها. بالتوزاي لا بدّ من توفير شبكة أمان للطبقات الفقيرة.