ماذا يريد الناس من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بعد طول معاناة؟
عن هذا السؤال، الذي سيحدّد مسار المرحلة المقبلة، يجيب البيان الوزاري. الجواب جاء واضحًا وسريعًا. لم يترك أي قضية تتعلق بحياة الناس الذين باتوا ينفخّون على اللبن بعدما كواهم حليب الكوارث المتتابعة، إلاّ وأجاب عنها من دون لفّ ودوران، ومن دون الغرق في الوعود المستحيلة التحقيق. الآمال كبيرة، ولكن الأهمّ من هذه الآمال والنيات، التي لا نشكّ لحظة بأنها طيبّة، أن تقترن هذه النيات بالأفعال. وهذا ما يطالب به الناس، ونحن منهم.
لكن ما هو أهمّ من المهمّ هو أن تساعد الظروف هذه الحكومة فتقرن الأقوال بالأفعال. وهذه الظروف ترتبط عادة بالمزاج السياسي، الذي يتحكّم بالمعطيات القائمة. فإذا تضافرت الجهود، جهود الجميع، تأتي العزائم على قدر أهل العزم. أمّا إذا إحتلت المصالح الشخصية سلمّ الأولويات فإن العراقيل قد تظهر عند كل كوع أو مفترق طرقات. وهذا ما يحاول أصحاب الإرادات الطيبة تحقيقه لأنهم في نهاية الأمر يريدون، ومعهم الشعب اللبناني، أكل العنب، من دون أن يعني لهم كثيرًا أمر الناطور، الذي سيحاسبه الناس في صندوقة الإقتراع حين تدّق ساعة الحقيقة والحساب. وعندها يُكرم المرء أو يُهان.
ما يدعو إلى مقاربة الواقع بشيء من التفاؤل، ولو الحذر، هو أن المجتمع الدولي يبدي كل الإستعداد لمساعدة لبنان للخروج من أزماته، لكنه في الوقت ذاته يقرن هذا الإستعداد بشروط واضحة ومحدّدة، وهي تتلخّص بمدى قدرة اللبنانيين على مساعدة أنفسهم قبل ان يطلبوا مساعدة الآخرين لهم.
أعضاء اللجنة الوزارية لصياغة البيان الوزاري حاولوا أن يضّمنوه كل ما يجول في بال كل مواطن، وهم بذلك إنما نقلوا بدّقة وأمانة ما كانوا يسمعونه كل يوم من أهلهم وأقاربهم وجيرانهم ومعارفهم، وهم الآتون أساسًا من هذه البيئة، التي تعاني ما تعانيه نتيجة التصرفات غير السويّة التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من إنهيار.
ولكي تستطيع هذه الحكومة العمل على الخروج من هذه الورطة الكبيرة عليها أولًا وأخيرًا أن تضع نصب أعينها مصلحة الناس قبل أي مصلحة أخرى. فإن فعلت تنجح. أمّا إذا أمالت أذنيها إلى ما لا يتوافق ومصلحة الناس فإنها ستغرق في الوحول السياسية، وسيغرق معها لبنان أكثر ذي قبل.
المؤشرات حتى الآن توحي بأن المرحلة المقبلة، على رغم صعوبتها، ستكون حافلة بالاعمال المطلوبة كأولوية، وبأن الأيام الآتية ستكون أفضل من الأيام التي فاتت. فالإرادة والتصميم والعزم متوافرون. يبقى أن يقترن كل ذلك بالأعمال. وعلى هذا الأساس سيكون حكم الشعب، من دون الأخذ في الإعتبار بعض الذين لا يعجبهم العجب .
هذه الفئة من الناس لا يُعوّل عليها، لأنه سيبقى الأبيض في نظرها أسود، وسيبقى هذا الأسود “عاميلا” قلبها وطريقها، حتى ولو أضاءت لها أصابيعك العشرة.
فالبيان الوزاري، المنجز بسرعة قياسية، فيه الكثير من الآمال والتطلعات، ولكن فيه الكثير من الواقعية. فالظروف أصعب من أن توصف، ولكنها ليست مستحيلة المعالجة. هذا ما يعد به هذا البيان. وهذا ما ننتظره من حكومة نحمّلها الكثير.