استطاع “حزب الله” التعاطي مع مسألة ادخال المحروقات الايرانية الى لبنان ضمن توازن دقيق، فالخطأ في الحسابات سيرتد عليه، ويجعله يخسر سياسيا ما كان يعمل على ربحه.
قانونيا ادخل الحزب الصهاريج الى لبنان بطريقة غير شرعية مجنّبا الدولة “اي احراج”، لا بل يبدو ان الحزب اراد ان يبعد الحكومة الجديدة عن اشكاليات التعامل مع ايران.
فخطوة تسمية الرئيس نجيب ميقاتي استكملها الحزب بإبعاد كأس العقوبات عن الدولة، وعن الحكومة التي لديها خطط للتواصل مع دول غربية وعربية للحصول على المساعدات الكفيلة بوقف الانهيار.
كذلك لم يقم الحزب بخطوة ناقصة بتخصيص المحروقات لبيئته الحاضنة فقط، الامر الذي خفف الهجمة الاعلامية عليه من جهة، وفتح له ابوابا مغلقة من جهة اخرى، ولعل البدء بتوزيع المحروقات للافراد خلال اسابيع سيكون نقلة نوعية في تواصل الحزب مع “البيئات الاخرى”.
الخطوة السريعة لوجستيا طرحت السؤال عن امكان توسيع الحزب عملية استيراد المحروقات لتشمل مواد معيشية اخرى، خصوصا ان الامين العام للحزب ألمح الى هذا الامر في خطابه الاخير من دون ان يدخل في التفاصيل العملية، الامر الذي يعني ان استمرار الازمة وعدم تمكن الحزب من تخفيفها بالكمية الحالية سيجعله يتجه نحو توسيع حجم الكميات المستوردة.
على صعيد التوازنات، “ابتلعت” واشنطن خطوة الحزب وذهبت الى تبديل تدريجي في استراتيجيتها في لبنان، فهي من جهة غير راغبة بتصعيد كبير في المنطقة ومن جهة اخرى غير قادرة على ترك الحزب يملأ فراغا ، هي بالتأكيد قادرة على انهائه، لو ارادت.
من هنا كانت تصريحات السفيرة المعروفة ومن هنا ايضا ستعمل واشنطن على تأمين الدعم للحكومة من حلفائها لاعادة ترتيب الواقع الاقتصادي والمالي في لبنان.
خلال الاسابيع المقبلة، ستصبح صهاريج النفط التي دخلت دفعتها الاولى امس الاراضي اللبنانية مشهدا روتيتيا، يتكرر مرتين او ثلاث مرات في اليوم على ان يحدد الحزب خلال ساعات سعر صفيحة المازوت الذي سيكون اقل من السعر الرسمي اللبناني.
بعيدا عن فكرة كسر الحصار التي يناقشها بعض اللبنانيين، فان الاكيد ان الحزب كرس معادلات جديدة في الاقتصاد والسياسة، ولعل ما يقال من ان تراجع الحزب عن هذه الخطوة لن يحصل، الا في حال بات استيراد المحروقات من ايران مباشرا عبر الدولة اللبنانية، سوى الدليل على ان الصراع هو صراع توازنات، وكما كان اللبناني ضحية شد الحبال السابق والحالي، فانه يؤمل الا يكون ايضا ضحية التسابق على” انقاذه”.