بات في حساب وزارة المالية لدى مصرف لبنان، مليار و139 مليون دولار أميركي، نصيب لبنان من حقوق السحب الخاصة (SDR) في صندوق النقد الدولي. وذلك عن العام 2021، قيمتها 860 مليون دولار، وعن العام 2009، قيمتها 275 مليون دولار. المبلغ ليس بقليل، ومن شأنه أن ينعكس انفراجًا على مستوى الملفّات المعيشية الضاغطة، خصوصًا أنّ لبنان تسلّم حصّته بمجملها، بالتزامن مع تأليف حكومة كاملة الصلاحيات، وقادرة على اتخاذ القرارات وتطبيقها، على خلاف الحكومة المستقيلة.
حقوق السحب الخاص (SDR)، وكما أشرنا في مقال سابق، هي عبارة عن عملة صندوق النقد الحسابية، تتكوّن من سلّة من خمس عملات رئيسية، لكنّها ليست عملة قابلة للتداول، إلّا بعد مبادلتها بعملة صعبة. الأمر تطلب أن يجد لبنان دولة عضو في صندوق النقد، توافق على تبديل هذه الوحدات وتمنحه الدولار مقابل هذه العملية، كي تتحوّل الأموال إلى احتياطي نقدي قابل للاستخدام، وهي عملية طوعية بالنسية للدول الأعضاء. فكيف حصلت عملية التبديل؟ ومن هي الدولة التي وافقت على ذلك؟
مصادر مالية مواكبة أشارت إلى أنّ عملية المقايضة، حصلت بفعل مساندة صندوق النقد، علمًا أنّ دوره ينحصر بمهمة الوسيط، بحيث يعرض طلب لبنان على منصّة التبادل التلقائي فقط، لكنّه تجاوز هذا الدور، ورتّب إيجاد دولة تأخذ الوحدات الخاصة بلبنان، وتمنحه ما يعادلها بالدولار (سعر وحدة SDR دولار و42 سنت، قابلة للتغير). ولم يفصح صندوق النقد عن الدولة التي وافقت على التبديل، في وقت رجحت مصادر أن تكون قطر أو الولايات المتحدة الأميركية. المصادر نفسها وضعت مساندة صندوق النقد للبنان، في إطار سياسة “قبة الباط” التي أنتجت فتح الباب أمام الغاز المصري وغيره من الحلول المرحلية. كما أنّ مبادرة صندوق النقد تجاه لبنان لا يمكن تفسيرها خارج إطار دعم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، خصوصًا أنّ التحويل تزامن مع إنجاز الحكومة بيانها الوزاري بسرعة قياسية، وعشية إنطلاقها المرتقبة في معالجة الأزمات المعيشية الضاغطة، بعد نيلها ثقة المجلس النيابي. هذا المنحّى حيال الحكومة، عبّر عنه مدير إدارة التواصل والمتحدث باسم الصندوق جيري رايس كاشفًا عن “إجراء بعض الاتصالات الودّية” مع أعضاء الحكومة، معرباً عن استعداد الصندوق لـ “الانخراط في محادثات مع الحكومة في المرحلة المقبلة، والتأهّب للتعاون معها”.
كيف سيتصرف لبنان بهذه الأموال؟ وهل فعلًا عملية الإنفاق غير مشروطة؟
صحيح أنّ صندوق النقد لا يفرض شروطًا حيال كيفية إنفاق الأموال، وأنّ الأمر يعود إلى الحكومة في أيّ بلد لتحديد كيفية استخدام مخصصاتها من حقوق السحب الخاصة، لكن هذا لا يعني أنّ الإنفاق متفلّت من أيّ ضوابط، وفق المصادر المتابعة، بل ستبقى عين صندوق النقد على لبنان لمراقبة عملية التنفيذ على مستوى المراحل والقطاعات. في السياق، مصادر مقرّبة من ميقاتي نقلت عنه أنّه “لن يصرف دولاراً واحداً من الأموال التي رصدت من قبل صندوق النقد الدولي، من دون تدقيق ومراقبة”.
من جهته أصدر الصندوق مذكرّة إرشادية للبلدان حول استخدام حقوق السحب الخاصة، هي عبارة عن آلية لكيفية إنفاق هذه الأموال على أساس الشفافية، ووضعها على موقعه الإلكتروني، وفق ما أعلن رايس “من المهم استخدامها للمساعدة على تجديد احتياطيات البنك المركزي المستنزفة، ولدعم التكيف والإصلاحات اللازمين على مستوى الاقتصاد الكلي. نحن نتابع كيفية استخدام حقوق السحب الخاصة، وسنصدر تصريحات بهذا الصدد في الوقت المناسب”.
وذكّر بما قالته المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا “أنّه ينبغي استخدامها على نحو مسؤول وحكيم، وتوزيعها بما يحقق الإفادة القصوى للبلد وشعبه” مشدّداً على أنّ “هذا الأمر ينطبق على لبنان كما ينطبق على كل بلد آخر”.
يبقى أنّ هذه الأموال ليست كافية للنهوض الإقتصادي، ولكنّها تشكّل سندًا مرحليّا إذا ما أُحسن توظيفها في المكان الصحيح.