يمكن اختصار الهاجس الفرنسي في لبنان بعبارة الخوف على النفوذ، فباريس، وبالرغم من قلقها من تبعات اي انهيار اقتصادي ومعيشي كامل في لبنان على وضعها الامني، الا ان الخطر الداهم بالنسبة لها ،هو ذاك المرتبط بنفوذها السياسي…لا تزال باريس تحتفظ بالساحة اللبنانية بوصفها احدى اخر الساحات الاقليمية التي تتمتع فيها بنفوذ جدي، وبعيدا عن المبالغة الفرنسية بحجم تأثيرها في لبنان، الا ان بعض البنى التحتية الثقافية والتعليمية والسياسية لا تزال مرتبطة بالفرنسيين، وجدانيا على الاقل.من هنا، بدأت باريس محاولات جدية لتستعيد الدور السياسي في بلاد الارز، بما يشبه السعي الروسي للحفاظ على نفوذه في سوريا مع بداية الاحداث. كما يلاحظ اختلاف الادوات والمخاطر بين الساحتين، لكن الحاجة هنا وهناك متشابهة.خلال المراجعة الباريسية للاخفاق في المبادرة الاولى بعد انفجار بيروت، فهمت فرنسا ان قدرتها التأثيرية لم تعد كما كانت في السابق، وان التعامل بواقعية ممر إلزامي للعودة الى الساحة اللبنانية، وان العوائق ليست خارجية فقط بل لبنانية ايضا.هكذا، وبالتوازي مع الضغط الفرنسي على الاميركيين لاقناعهم بتعديل مقاربتهم للساحة اللبنانية، دخلت باريس في تواصل جدي مع “حزب الله”، سرعان ما تطور ليصبح بالغ الايجابية.يريد الحزب من الفرنسيين امورا عديدة اهمها تخفيف الضغوط الدولية على لبنان والتعاطي الايجابي مع الحزب بوصفه قوة شرعية لبنانية، وهذا ما حصل، اذ ساهمت المبادرة الفرنسية بإلغاء التحفظات على وجود “حزب الله” داخل الحكومة.لكن باريس تريد من “حزب الله” الكثير ايضا، اولا احترام نفوذها في لبنان، وهذا ما لا يمانعه الحزب ما دام النفوذ الفرنسي يأكل من الصحن الاميركي، وثانيا ان تكون الايجابية معه مدخلا للايجابية مع طهران وباباً جديا لتنفيذ الرغبة الفرنسية بالتوجه اقتصاديا بإتجاه الدول التي تدور في الفلك الايراني.ما حصل في العراق من توقيع لعقود فرنسية، اضافة الى ما حصل في لبنان حكوميا، يوحي بأن العلاقة بين وفرنسا وايران تتقدم ايجابياً ، وهذا ينطبق على علاقة الحزب بالفرنسيين الذين بات لديهم وزراء “شبه مشتركين” في الحكومة، اذ من المتوقع ان تتطور في المرحلة المقبلة، لكن هل ينعكس كل ذلك على لبنان؟ ام ان الخلاف الفرنسي الاميركي سيعيد خلط الاوراق؟