اليوم تنتهي آخر فصول عملية تشكيل الحكومة مع منحها الثقة من المجلس النيابي، الأمر الذي بات محسوماً وبنسبة كبيرة، اذ من المتوقع أن تمنح معظم القوى السياسية الثقة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعد عرض بيانها الوزاري للمضيّ قدماً في مسار الإنقاذ المنشود.
مما لا شك فيه أن إعطاء الثقة للحكومة سيقدم لها دفعاً سياسياً جدياً خصوصاً وأن هذا الامر يتمّ في لحظة سياسية واقتصادية حساسة، حيث انها، اذ تُمنح من الغالبية العظمى للقوى المحلية، ستؤمّن لهذه الحكومة الكلمة العليا في التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وبالتالي فإن القرارات الاقتصادية والمعيشية التي ستُتّخذ بناءً على هذه المفاوضات ستكون مدعومة من الكتل النيابية، غير أن ذلك لا ينفي احتمال الدخول في كباش سياسي داخل مجلس الوزراء حول العديد من الملفات الا انه حتماً سينحصر تحت سقف القرار الحكومي الجامع الذي سيتمّ الاتفاق عليه وسيكون فاتحة الطريق نحو مسار إنقاذي شامل.
ولعلّ منح معظم القوى السياسية الثقة للحكومة التي اقرّت لنفسها شعار “معاً للإنقاذ” سيضع الجميع أمام مسؤولية تسهيل عملها والسعي لإنجاحها، لا سيّما وأن التيار “الوطني الحر” يميل أيضاً الى هذا الخيار بعد ان كان يستخدم هذه الورقة كجزء من أوراقه التفاوضية خلال فترة تكليف الرئيس سعد الحريري، ما يعني ان “التيار” لن يكون لديه هامشاً واسعاً من المناورة يمكّنه من الوقوف في جبهة المعارضة ومحاولة إفشال بعض الخطوات بهدف الكسب الشعبي، بل على العكس، سيجد نفسه مضطراً لتيسير عمل الحكومة لإثبات قوته داخل مجلس الوزراء، ما من شأنه أن ينعكس إيجاباً على قواعده الشعبية.اضافة الى ذلك، فإن هذه الثقة، الجامعة الى حد ما، ستؤمن دفعاً سياسياً ووطنياً لعمل الحكومة وتخفف من حدة الانقسامات والتوترات الداخلية التي رافقت الحياة السياسية خلال المرحلة الماضية خصوصاً بعد انتفاضة 17 تشرين، وبالتالي فإن الهدوء السياسي الذي من المفترض ان يؤدي الى تفاهمات اقتصادية وحكومية سيعيد الثقة الى السوق المحلّي ويحسن الواقع الاقتصادي والمعيشي ويفتح الباب أمام إمكانية النهوض مجدداً في العديد من القطاعات وأهمها قطاع الخدمات كالكهرباء والانترنت والمحروقات التي قد تشكّل مداراً للكباش والنقاش والأخذ والرد.إذاً فإن الثقة التي ستعطى لهذه الحكومة بالذات وفي ظل هذا الواقع السياسي على وجه التحديد ليست مجرّد محطة دستورية تمرّ بها الحكومة قبل مباشرة عملها، بل هي غطاء سياسي جدّي سيكون من الصعب على أي حكومة من دونه أن تحقق أي إنجازات او ان تسير الى الامام في مواجهة الظروف الطارئة الذي تداهم البلاد، وبالتالي فإن المظلة التي سيمنحها مجلس النواب ستكون احدى اهم اوراق القوة التي ستنطلق منها الحكومة الجديدة.وأمام التحدّيات القاسية التي ترابط للحكومة، تبقى ثقة مجلس النواب غير كافية لخوض معركة التحرير من الأزمات، اذ ان استعادة ثقة اللبنانيين بالدولة والمؤسسات هي حجر الأساس، وحتى انطلاق عجلة الإنقاذ، يبقى هؤلاء على موعدٍ مع الفرج القريب متحصّنين بما تبقّى لديهم من أمل بالنجاة في وطن بات العيش فيه أشبه بالتمنّي!