الذين إستمعوا إلى البيان الوزاري يتلوه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، طالبًا من مجلس النواب الثقة على أساس ما تضمّنه من ثوابت ووعود وآمال، لم يسعه إلاّ أن يبدي دهشته لما حواه من إحاطة بكل شاردة وواردة مما يعانيه اللبنانيون منذ فترة طويلة، خصوصًا أن إقراره أنجز بسرعة قياسية، وهذا ما إعتبره كثيرون مؤشرًا إلى ما تبديه حكومة “معًا للإنقاذ” من جدّية في مقاربة الملفات الشائكة، وبالأخص تلك التي تتعلق بحياة الناس، مع الإستعداد التام لإيجاد حلول سريعة من شأنها إظهار الفرق بين الفراغ في سدّة السلطة التنفيذية وبين تحمّل المسؤولية بكل عزم وإقدام، على رغم صعوبة المرحلة وما فيها من تحدّيات كبيرة على كل المستويات.
فوفق قراءة واقعية لما تضمّنه البيان الوزاري يمكن تقسيمه إلى أربعة أقسام:
الأول، الثوابت الوطنية التي ستحكم عمل حكومتنا.
الثاني، التعهدّ بإجراء الإنتخابات النيابية.
الثالث، المُعالجات التي تنوي الحكومة القيام بها،
الرابع، إنفجار المرفأ.
في ما يتعلق بالقسم الأول، حول الثوابت الوطنية، وهي عشرة، يُلاحظ أن البيان الوزاري لم يهمل أي موضوع يتعلق بسيادة لبنان، ومن بينها التزام أحكام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، والتأكيد على الدعم المُطلق للجيش والقوى الأمنية كافة في ضبط الأمن على الحدود وفي الداخل، والدفاع عن لبنان في مواجهة أي إعتداء والتمسّك بحقه في مياهه وثرواته، واستئناف المفاوضات من أجل حماية الحدود البحرية اللبنانية، ومُتابعة مسار المحكمة الخاصة بلبنان، وإيلاء الإهتمام اللازم بقضية تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه في ليبيا، والتأكيد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وعدم توطينهم في لبنان، ومُتابعة العَمل على عودة النازحين السوريين، وتعزيز علاقات لبنان مع الدول العربية الشقيقة والإصرار على التمسّك بها، وتعزيز علاقات لبنان الدوليّة وتفعيل إنخراطه مع المُجتمع الدولي وشريكه الأوروبي.
في القسم الثاني، تعهدّت الحكومة في بيانها الوزاري،”تأكيداً على حُسن سير العملية الديموقراطيّة في لبنان، وإيماناً منها بأنّ خطوة الإنقاذ الأساسيّة تبدأ في ترجمة إرادة الناخبين في إختيار مُمثليهم، تؤكّد الحكومة التزامها إجراء الإنتخابات النيابيّة في موعدها كما وإجراء الانتخابات البلدية والإختيارية على أن تُباشر وفور نيلها الثقة، بإتخاذ كُل الإجراءات التي ينصّ عليها القانون الذي يُنظّم عملية الإنتخاب لإتمامها بكُل نزاهة وشفافية وتوفير السُبل كافة لنجاحها”.
أما في القسم الثالث، فيلحظ البيان الوزاري حتمية إستئناف التفاوض الفوري مع صندوق النقد الدولي للوصول إلى إتّفاق على خطة دعم من الصندوق، ووضع خطة لإصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته حيث يلزم، والسعي بالتعاون مع مجلس النواب، إلى إقرار قانون حول “الكابيتال كونترول”، ومعاودة المفاوضات مع الدائنين للإتفاق على آلية لإعادة هيكلة الدين العام، وتثمين المُبادرة الفرنسيّة والإلتزام ببنودها كافة بكل شفافية وبتوصيات الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار، والعزم على تصحيح الرواتب والأجور في القطاع العام، والعمل على إقفال المعابر غير الشرعية وتعزيز مُراقبة الشرعية منها، والحدّ من التهرّب الضريبي وتعديل قانون المحاسبة العمومية، والعمل على إنجاز الموازنة العامة للعام 2022، وتوجيه سياسة الدعم الحالي وحصره بمستحقيه من المواطنين اللبنانيين المقيمين، وإستكمال تعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى وإنجاز التشكيلات والمُناقلات القضائية، وإصدار النصوص التطبيقيّة للقوانين النافذة ومُتابعة تنفيذ النّصوص ذات الصلة لاسيما تلك المتعلقة بقانون الشراء العام فور نفاذه، إضافةً إلى إكمال تعيين اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، وزيادة ساعات التغذية في مرحلة أولى وتأمين الكهرباء للمواطنين بأسرع وقت والعمل على تنويع مصادر الطاقة، وإطلاق دورة التراخيص الثانية في المياه البحرية اللبنانية المؤجلة مرحلياً بفعل جائحة كورونا والعمل على مُتابعة عمليات الإستكشاف في المياه البحرية اللبنانية، والسعي لتأمين شبكة أمان إقتصادي ـــــ إجتماعي ــــ صحي، وتعزيز دور المرأة كشريك أساسي وفاعل في الحياة العامة، ومُتابعة الإجراءات الهادفة للحدّ من وباء كورونا وتكثيف الحملة الوطنيّة للتلقيح، وتأمين سنة دراسية وجامعية طبيعية وضمان حصول المؤسسات التربوية على مقومات صمودها وإعادة إستنهاض المدرسة الرسمية، وإتخاذ إجراءات عاجلة لتطوير الإقتصاد الوطني، ودعم القطاعات الزراعية كافة وتشجيع الإرشاد الزراعي، وإعادة تأهيل وتجهيز الشبكات الثابتة والخليوية بُغية تأمين إستمرارية خدمات الإتصالات (تخابر وإنترنت)، ووضع إستراتيجية وطنية لإدارة النفايات الصلبة، وإستراتيجية متكاملة لإدارة ملف المقالع والكسارات والمرامل وتعزيز النزاهة في هذا القطاع، والسعي لإستعادة دور لبنان الريادي كمركز إشعاع ثقافي وحضاري على المستويين العربي والدولي، وحماية حرية الإعلام، والسعي لإنجاز خطة شاملة للنقل، وتحديث التشريعات السياحية وتشجيع السياحة الداخلية والخارجية، وملء الشغور من خلال تعيينات تعتمد الكفاءة والنزاهة بعيداً عن المحسوبيات،والسعي لإنهاء ملف المهجرين باسرع وقت، وتفعيل دور المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة وتعزيز قُدراته المالية والبشريّة، وإنجاز إستراتيجيّة التحوّل الرقمي، وإستعادة ثقة المُغترب بمستقبل لبنان،والسعي لإقرار مشروع قانون اللامركزية الإدارية.
في القسم الرابع خصّصت الحكومة في بيانها الوزاري فقرة مستقلة عن كارثة إنفجار مرفأ بيروت، وأكدت حرصها على إستكمال كُل التحقيقات لتحديد أسباب هذه الكارثة وكشف الحقيقة كاملةً ومُعاقبة جميع المُرتكبين، والعمل مع مجلس النواب لإجراء كل ما يلزم بشأن الحصانات والإمتيازات وصولاً إلى تذليل كل العقبات التي تحول دون إحقاق الحق وإرساء العدالة، وإلتزام الإسراع في إستكمال مُساعدة المتضررين وتأمين التعويضات اللازمة لهم ووضع خطة لإعادة إعمار ما دُمر وما تضرر بفعل الإنفجار الكارثي.
يبقى أننا من موقعنا كمواطنين نريد أن نصدّق أن الآتي من الأيام ستكون أفضل سنكون في المرصاد، فنصفّق للإنجازات، وننتقد التقصير.