الضغوط النفسية أول تحديات العودة إلى المدارس

24 سبتمبر 2021
الضغوط النفسية أول تحديات العودة إلى المدارس

كتبت “الأخبار”: عرّى التحوّل من التعليم الحضوري إلى الافتراضي عيوب المنظومة التعليمية ووضعها أمام تحديات مواصلة التعليم وضمان جودته، وتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع الطلاب من جهة، وبين الإمكانيات المتاحة لتحقيقها من جهة ثانية، ما ألزم الإدارات المعنية بإعادة تشكيل هيكليتها وتحديث برامجها التربوية وتكييفها، في كل المراحل التعليمية، وتعزيز قدرات المعلمين والتلامذة لا سيما لجهة الاستخدام الأمثل لتكنولوجيا التدريس والتعلّم الحديثة.
التجربة شكلت صدمة للعديد من التلامذة والمعلمين والأهل بسبب ابتعادهم عن العلاقات الحقيقية الطبيعية، وأشعلت التوتر في نفوسهم، وتسببت بضغوط نفسية واجتماعية، ما دفعهم إلى إعادة تشكيل الهوية الشخصية والهوية المهنية، أي إعادة بناء العلاقة مع الذات، والبحث المستمر في تطوير معارفهم وأدواتهم ومناهجهم وطرائقهم التربوية والتعليمية، بغية تحقيق التوازن، وضمان استمرارية التعليم.
في هذا الوقت، كان اهتمام وزارة التربية والمؤسسات التعليمية يتركز بشكل أساسي على نقل المعارف للتلامذة، وإنقاذ العام الدراسي، ولم تولِ تلك الجهات أهمية لموضوع الصحّة النفسية الذي يعدّ أساساً في نجاح العملية التعليمية واستمرارها. وعاش كل مكونات العائلة التربوية صدمات نفسية متتالية بسبب جائحة كورونا والتحول إلى التعليم عن بعد، وأيضاً بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية والصحية المتردّية، وهذا بطبيعة الحال دفع إلى ظهور سلوكيات مضطربة وحالات مرضية نفسية طارئة، متفاوتة في الشدّة، وهو ما يعرف في علم النفس بـ«اضطرابات ما بعد الصدمة»، التي تؤثر بدورها على الاستقرار النفسي وتوازنه، والقدرة على التكيف في البيئة الاجتماعية والبيئة المدرسية وبيئة العمل.
بالنسبة إلى المعلمين، أوجد التعليم عن بعد خللاً في التوازن بين الهُوية الشخصية والهُوية المهنية. وعانى هؤلاء إرهاقاً وتعباً نفسياً وجسدياً، نتيجة ضغوط العمل عن بعد، وضرورة التوفيق بين متطلبات وظائفهم وظروفهم المعيشية من جهة، وبين متابعة شؤون أبنائهم التعليمية والإشراف عليها من جهة أخرى، فضلاً عن عبء إضافي في تقبّل الحالات النفسية والمزاجية المتقلبة للتلامذة، إضافة إلى التواصل مع الأهل لتقديم المساعدة وطلب التعاون لشحن أبنائهم بالطاقة الإيجابية وصقل قدراتهم التعليمية.
بدورهم، شعر التلامذة بالملل بسبب تنوع الأدوات المستخدمة في التعليم، والجلوس لساعات طويلة أمام الشاشة، وفقدان الحافز التعليمي وانخفاض روح المنافسة لديهم، وقدرتهم على الانتباه والتركيز، وتراجع في القدرات التعبيرية والمهارات الكتابية لدى البعض منهم، والحدّ من إبداعاتهم واكتشاف مواهبهم وقدراتهم. أضف إلى ذلك، إدراك البعض للفجوة الحاصلة بين النتائج المرجوّة وبين ما هم قادرون على تحقيقه فعلياً، ما دفعهم إلى الانسحاب من التجربة قبل إتمامها، إضافة إلى الإحباطات المتنوعة التي أصيب بها البعض نتيجة انخفاض مستوى تحصيلهم الدراسي مقارنة بمستوى تحصيلهم في العام الفائت.
ظهرت في صفوف التلامذة أيضاً مشاكل سلوكية مثل العدوانية والتنمر، واضطرابات نفسية متعددة كالعزلة والاكتئاب والإدمان الإلكتروني وغيرها من الاضطرابات، نتيجة الوقت غير المنظّم على الإنترنت، وبسبب تعرّضهم لمحتوى ضار، نتيجة الاستخدام السيئ له، وبسبب إهمال الجانب القيمي وضعف الرقابة الأسرية.
هذه الآثار النفسية تؤثر بشكل أو بآخر على الصحة النفسية، وبدرجات متفاوتة، «كل بحسب مناعته النفسية»، كما تؤثر أيضاً على الصحة الجسدية، فيضعف معها الجهاز المناعي الجسمي، حيث تبرز أعراض جسمانية، تُعرف علمياً بمصطلح «الأعراض السيكوسوماتية»، أي أعراض جسدية ناتجة عن الإجهاد النفسي، كآلام في المفاصل والعضلات والرقبة والظهر، سمنة وأمراض سكري، صداع مستمر، مشاكل في القلب، اضطرابات في الأعصاب، نوبات صرع، جفاف في الجلد، رجفة في اليدين، مشاكل في النظر وكسل وخمول جسدي…