قبل أن تتشكل حكومة “معا للانقاذ”، بدأ بث الأجواء التشاؤمية حيال الملفات التي يمكن ان تهدد هذه الحكومة من أوساط سياسية معروفة.ومنذ أن جرى الإعلان عن استقبال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى مأدبة غداء في قصر الإليزية اليوم لبحث الأزمة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة التي يشهدها لبنان، والإصلاحات الواجب تطبيقها للخروج منها، حتى انهالت التوقعات السلبية عن مسار العمل الحكومي في الأيام والأسابيع المقبلة لا سيما في ما خص ملف مرفأ بيروت وخطة الكهرباء،علما أن الدعوة الفرنسية لرئيس الحكومة تأتي انسجاما مع دور باريس والأسرة الدولية لمواكبة ميقاتي وحكومته في تطبيق برنامج الإصلاحات هذا.
لم يقل الرئيس ميقاتي أن الطريق الحكومية معبدة بالكامل أمامه لإنجاز ما يطمح إلى تحقيقه فهو لا يملك العصا السحرية، لكنه أيضاً شدد على أنه يمتلك الضمانات الخارجية المطلوبة لمنع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية، فهذه الحكومة تشكلت باتفاق فرنسي – مصري – أردني– أميركي – إيراني وبالتالي من الطبيعي أن يستهل ميقاتي زيارته المرتقبة إلى الخارج من فرنسا التي تشكل اليوم الراعي الأبرز لانقاذ لبنان ولتأمين مظلة اوروبية وعربية ودولية له، خاصة وان مبادرة ماكرون حيال أزمة لبنان يمكن وصفها بالوحيدة التي تسمح بالتقدم نحو حل، وليس هناك من حلول غيرها خليجية كانت أو أميركية أو عربية. فأي دعم لهذه الحكومة من الدول العربية ومن المنظمات الدولية والمؤسسات المالية الدولية رهن استجابة لبنان لشروط ومطالب الدول الداعمة، خاصة وان سيدر قد سقط واصبحت المساعدات محصورة بالدول الاوروبية وبعض الدول العربية ( الكويت وقطر).
ان لقاء الاليزية سيكون بمثابة خارطة طريق ستبدأ الحكومة من خلالها بتحديد سلم الالولويات تمهيدا لدراستها وتطبيقها، ففرنسا كما يقول الاستاذ في العلاقات الدولية عيسى الايوبي لـ”لبنان24” تطمح إلى وقف الانهيار الكامل للبنان الدولة و الكيان عبر مساعدات قصيرة الأمد تمهيدا لإعادة تكوين الدولة وهيبتها عبر انتخابات نيابية تنتج مجلسا نيابيا جديدا ينتخب رئيسا للجمهورية وصولا إلى استضافة مؤتمر تأسيسي للبنان يأتي بتركيبة جديدة للسلطة، وبالتالي فإنها تهدف من مبادرتها ومساعيها لحل الازمة الراهنة في لبنان تحقيق ما تصبو إليه على صعيد مصالحها السياسية والاقتصادية. وهنا ترى مصادر فرنسية انه تم التوصل إلى اتفاق مبدئي مع روسيا حول لبنان بصفتها الضابط السياسي في الشرق الأوسط.وعليه فإن باريس ماكرون تسعى إلى إعادة إعمار واستثمار مرفأ بيروت مع شركائها الاوروبيين وخاصة ألمانيا، ربطا بـ”كونسرتيوم فرنسي – ألماني لإصلاح قطاع الكهرباء على أن تقوم روسيا بتطوير مرفأ طرابلس بالتوازي مع عودة العمل بـ كونسرتيوم روسي- فرنسي حول النفط و الغاز والكثير من المشاريع الاستراتيجية الاقتصادية على امتداد خط بيروت -دمشق -بغداد -طهران بالتفاهم والتعاون الفرنسي كممثل للاتحاد الأوروبي وروسيا ، عطفا على تعاون سياسي مؤثر في تركيا و إيران وصولا إلى اسيا الوسطى ربطا بمدى تأثيرها في العراق والصين كعملاق اقتصادي.وعليه، “فإن فرنسا وجدت بالرئيس ميقاتي رجل المرحلة الانتقالية بين الانهيار من جهة وإعادة تأسيس الجيوبوليتيك الجديد في الشرق من جهة اخرى”، يقول الدكتور الايوبي، “فهو رجل لا يغضب دول الخليج كما هو الحال مع الرئيس سعد الحريري الذي اختلط معه الشخصي بالسياسي في علاقاته مع دول الخليج و بالتالي فإن الرئيس ميقاتي قادر على تمرير هذه المرحلة الجديدة. من هنا فإن فرنسا ستسعى لتوفير الحد الأدنى المطلوب لمساعدة لبنان علما أن القيادات الفرنسية عموما فقدت ثقتها بالقيادات اللبنانية التقليدية الحالية لذا ستبقي ملف العقوبات مفتوحا حتى انتخاب رئيس جديد للبنان وعقد مؤتمر تأسيسي”. بالنسبة لفرنسا يشكل لبنان بوابتها الجديدة إلى الشرق الأوسط وخاصة إلى سوريا مجددا. فهي لم تعد حاضنة (للمسيحيين) في لبنان بعد أن خانتها القيادات المدنية والروحية بشكل عام، اذ ان الفرنسيين، وفق الدكتور الأيوبي، يعتبرون أن معظم أحزاب وقوى الغالبية المسيحية تتبنى سياسات ومشاريع الانكلو-ساكسونية الدولية أي بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، ما عدا ونسبيا، التيار الوطني الحر الذي تنقسم حوله الاراء في داخل الأوساط السياسية الفرنسية. بالتالي فإن مصالح فرنسا في الشرق عموما و لبنان خصوصا هي مع الغالبية (السنية) فهي مفتاحها إلى العالم العربي وكذلك مع إيران عبر حزب الله . فهي ترى في علاقتها مع الرئيس ميقاتي حصنا رابحا من جميع الجهات، فهو لا يغضب السعودية ولا إيران و لا سوريا التي ترى فرنسا ان مصالحها مستقبلا ستكون معها و تطمح إلى استعادة دورها فيها عبر حزب الله و إيران و روسيا، علما ان فرنسا قد تلعب دورا عبر مصر في تليين الموقف السعودي من لبنان، بعدما قررت الرياض الوقوف على الحياد وترك لبنان لمصيره.يبقى الأكيد أن مسألة الغواصات الأسترالية وضعت العلاقات الفرنسية- الأميركية في مأزق، إلا ان تداعياتها على الملف اللبناني محدودة جدا لأن تأثيرها الأكبر هو على مستقبل حلف شمال الأطلسي في ظل الاستراتيجية الأميركية الجديدة القائمة على تصفير حروبها الصغيرة و البقاء على تأمين أمن اسرائيل وهو امر تضمنه روسيا وفرنسا، اي أوروبا، مع الحفاظ على بعض مفاصل مصالحها الاقتصادية مع دول الخليج العربية و التفرغ لحربها مع الصين في افريقيا.