تعليق التحقيق في انفجار المرفأ.. “السياسة” تنتصر على “العدالة”؟!

28 سبتمبر 2021
تعليق التحقيق في انفجار المرفأ.. “السياسة” تنتصر على “العدالة”؟!

كتب المحرر السياسي:
مرّة أخرى، تجمّدت التحقيقات بجريمة انفجار مرفأ بيروت، التي لم تتوصّل أصلاً لشيءٍ يُذكَر بعد 13 شهرًا على ما وُصِفت بـ”جريمة العصر”، تلك “المجزرة” التي قيل إنّها “هزّت”، بوقعها غير المسبوق، ضمائر المسؤولين كما الناس، نظرًا لكمّ “المآسي” الإنسانيّة المؤلمة التي انطوت خلفها، والتي لم تتكشّف كلّ فصولها بعد.
 
لكنّ “الزلزال” الذي أحدثته الجريمة لم يكن ينبغي أن “يصمد” لأكثر من ساعات بعد الجريمة، وربما أيام، وهو ما يتجلّى في أداء الطبقة السياسية التي حاولت منذ اليوم الأول وضع المسألة في إطار “القضاء والقدر”، وسعت ولا تزال لتمييع التحقيقات ومنع وصولها إلى أيّ نتيجة، مهما كان الثمن، وبأيّ وسيلةٍ مُتاحة، سواء بالترغيب أو الترهيب.
 

هكذا فقط، يمكن تفسير تعامل القوى السياسية مع تحقيقٍ قيل يومًا إنّه ينبغي أن ينتهي في خمسة أيام، رغم كلّ “التحفّظات” التي قد يكون بعضها مشروعًا على أداء المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار، وسلفه فادي صوان، لجهة “الاستنسابية” أو غيرها، إلا أنّ هناك من “يستسهل” فكرة “كفّ اليد” بكلّ بساطة، مع كلّ ما تحمله من “رمزية” سلبية أمام العالم.
 
ضغوط وقيود
صحيح أنّ تعليق التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت هو إجراء قانوني وسليم مئة بالمئة، نتيجة رفع دعوى “ردّ” بحقّه، إلا أنّه يطرح في الوقت نفسه عشرات علامات الاستفهام عن “حقّ” أيّ مطلوب للاستجواب أن يرفع دعوى على المحقّق، وبالتالي أن يعرقل عمله ويشوّش عليه بكلّ بساطة، علمًا أنّ هناك من يشير إلى “رمزية” توقيت رفع الدعوى، تزامنًا مع زوال “مفعول” الحصانات النيابية، ما يؤدي لضرب أكثر من “عصفور بحجر”.
 
ولعلّ ما يعزّز من “ضبابيّة” المسألة أنّ تعليق التحقيق يأتي ليشكّل “ضغطًا” على المحقّق العدلي، ويُضاف إلى سلسلة “القيود” التي وُضِعت في وجهه في الآونة الأخيرة، بدءًا من رفض منحه الأذونات اللازمة لاستجواب الشخصيات التي ارتأى الادّعاء عليها، وصولاً إلى التصويب المباشر عليه من جانب بعض القوى السياسية، والدعوات إلى استبداله، التي تُرجِمت بـ”رسالة التهديد” الشهيرة، التي لم ينفِها المعنيّون بها للمفارقة حتى اليوم.
 
وبمُعزَلٍ عمّا إذا كان التحقيق يسير أساسًا في “الاتجاه الصحيح”، أم أنّ “الارتياب” بالقاضي “مشروع” فعلاً، علمًا أنّ البعض ذهب لحدّ اتهامه بـ”التسييس”، بل الالتزام بـ”أوامر” فريق سياسي معيّن، فإنّ الأكيد أنّ تجميد التحقيق لا يرسل سوى رسالة بالغة السلبيّة إلى المجتمع الدوليّ، الذي قد يطغى إصراره على “العدالة” في قضية انفجار المرفأ على كلّ الإصلاحات التي تعتزم الحكومة الجديدة القيام بها، أملاً بالإفراج عن مساعداته الموعودة.
 
التحقيق إلى أين؟
وأبعد من “الرسائل” خلف الخطوة، والدلالات والمعاني التي قد تحملها، فضلاً عن التبعات على المستوى السياسي، ثمّة علامات استفهام بالجملة تُطرَح عن مصير التحقيق في القادم من الأيام، علمًا أنّ هناك من يجزم أنّ مهمّة القاضي البيطار “انتهت”، سواء قبلت محكمة الاستئناف الدعوى الحاليّة أم لم تفعل، لأنّ القرار بـ”تطييره” اتُخِذ منذ فترة، وترجمته بدأت اليوم، ولائحة “الدعاوى” التي سيواجهها قد لا تنتهي عمّا قريب.
 
على ضفّة أهالي الضحايا، فإنّ الاستعدادات قائمة لـ”التصدّي” لما يعتبرونها محاولة من المنظومة السياسية لتمييع ملفّ أحبّتهم، بل إقفاله وكأنّ شيئًا لم يكن، وهم “يتأهّبون” لتحرّك بهذا المعنى غدًا الأربعاء، يقولون إنّه سيكون مفتوحًا على كلّ السيناريوهات والاحتمالات، إلا أنّها تحرّكات لا يُعتقَد أنّ من شأنها “فرملة” الخطط السياسيّة الموضوعة والتي تقفز على “وجع” الأهالي، بطبيعة الحال.
 
أما المسألة الأخطر في كلّ ما سبق، فتكمن في ما سيعقب “تطيير” القاضي البيطار، إن حصل، فهل من قاضٍ “انتحاري” يمكن أن يقبل التصدّي للمسألة بعد، وهو يدرك لائحة “الممنوعات والمحظورات” المفروضة عليه سلفًا؟ ومع أنّ المواجهة تبقى مفتوحة “حتى آخر نَفَس” كما يُقال، و”الحرب” لم تنتهِ بعد، ثمّة من يدعو إلى “اختصار” الأمور وإنهاء التحقيق، تفاديًا لـ”مهزلة” حصر الأمر بصغار الموظّفين، ممّن لا حول لهم ولا قوة.
 
رغم أنّ “الارتياب مشروع” بهذا القاضي وذاك، ورغم أنّ انتقاداتٍ توجَّه لأداء القاضي البيطار، الذي صوّب اتهاماته على البعض، وتجاهل آخرين تنطبق عليهم المواصفات نفسها، إلا أنّ الارتياب يجد “شرعيّة” أكبر بمنظومة سياسيّة، رفضت تحقيقًا دوليًا، ثمّ “طيّرت” القاضي الأول، وعلى وشك “تطيير” الثاني، من دون أن يرفّ لها جفن، ولو كانت تحرص على القول إنها مع التحقيق حتى النهاية!