تَركتْ “مقرّها” المعتاد أمام متحف بيروت وهرولت فوق كرسيها المتحرّك نحو العدلية، حيث اعتادت أن تتردد، أقله مرتين في الأسبوع، الى قصر العدل لإحضار الطعام والملابس لإبنها الموقوف في النظارة بتهمة تعاطي وترويج المخدرات.
هي سمعت بالأمس أن القاضي طارق البيطار توقّف أو أوقف عن التحقيق في ملف انفجار المرفأ، فظنّت هذه المرأة الخمسينية والأم لشاب وحيد غرق في متاهة السمّ القاتل، والمبتورة الرِجل لإصابتها بمرض السكري، والتي تتوسط يومياً المسلك الذي يؤدي الى تقاطع المتحف- البربير لبيع أوراق اليانصيب، أن الحظ ابتسم لها، وأن الإجراء القضائي الذي اتُخذ بالأمس ولم تفقه مضامينه سيعيد على الفور “الريس البيطار” الى قوس محكمة الجنايات التي كان يرأسها قبل تعيينه محققاً عدلياً، ما يعني بحسب اعتقادها أن “الحظ الإفتراضي” الذي تحمله بيدها وتبيعه للناس قد يساعدها على رؤية هذا “القاضي الآدمي” لسؤاله عما اذا كان سيعاود النظر بالملفات القضائية التي ترك أمر متابعتها لقاضيتين مستشارتين تعملان معه ضمن هيئة المحكمة وقاضٍ ثالث منتدب، ومن ضمنها ملف إبنها.
بالأمس حملت بائعة اليانصيب نسخة عن الحكم الذي صدر بحق إبنها خلال غياب القاضي البيطار، صاحب الإبتسامة الهادئة، عن قوس الجنايات.
أرادت أن تسأله عن “إدغام فقرتين حكميتين” صدرتا بحق إبنها، فهو اعتاد خلال مسار المحاكمة العلنية في قضية إبنها مع متّهمين آخرين أن يجيبها بهدوء ورحابة صدر عن كل استفسار وسؤال، وهو سلوك يتّعبه مع الآخرين أيضاً، تماماً كما اعتاد عناصر قوى الأمن الداخلي المولجين بحماية قصر العدل على حمل المرأة المقعَدة مع كرسيها من طابق الى آخر أثناء تنقّلها داخل المبنى غير المجهّز لاستقبال وتحرّك ذوي الإحتياجات الخاصة، فهم يعرفونها بالإسم واذا تأخرت داخل العدلية وقارب الدوام الرسمي على الإنتهاء يبحثون عنها لمساعدتها على الخروج بلفتة إنسانية مشهودة لهم، لكنها بالتأكيد مفقودة لدى أولئك الذين يعطلون مسار التحقيق في أحد أكبر الإنفجارات غير النووية المسجلة على مستوى العالم وطمس حقيقة “منظومة النيترات” قبل أن تتكشف في قرار ظني يعيد بعضاً من عدالة مفقودة الى أهالي ٢١٨ ضحية وشهيد، إنضم اليهم أمس، في صدفة موجعة، الشاب الثلاثيني إبراهيم حرب، بعد غيبوبة استمرت نحو ١٤ شهراً إثر إصابة في الرأس من جراء الإنفجار.
فوق حبل “الارتياب المطعون بحياده”، تتكدس المهل القانونية والثغرات المفبركة في بلد اعتاد وقود الفساد فيه أن يحرق كل شيء وأن تضيع المحاسبة ويفلت الجناة من قبضة العدالة فيعمّ الظلم من دون أسباب موجبة.
رحم الله من قال ” الظلم في أي مكان تهديد للعدالة في كل مكان”.