بعد قرابة العامين على 17 تشرين 2019 لم يتحقق المنشود على مستوى النظام والسلطة، فقوى الثورة بمعظمها لم تكن أفضل حال من الطبقة الحاكمة في صراعها لتحقيق المكاسب، وبالتالي فإن الحراك فشل في تقديم أي بديل يمكن الرهان عليه في مواجهة المنظومة.
لا شك أن 17 تشرين نجحت في إبعاد شخصيات سياسية عن المشهد الحكومي الذي أطاح بمجموعة أسماء وصفت بالاستفزازية ، الأمر الذي قطع لطريق على استنساخ التركيبات السابقة، لتأتي حكومة الرئيس حسان دياب فحكومة الرئيس نجيب ميقاتي من غير الحزبيين.رغم إطلاق مجموعات 17 تشرين آلية ستخوض على أساسها استحقاق آذار المقبل لجهة الترشيحات والأسماء بيد أن الأكيد أن شخصيات منضوية تحت لواء الحراك لا تتوهم في إحداث خرق جوهري في الانتخابات، فالشارع الموالي للأحزاب الطائفية رغم “جهنم” الذي وصل إليه لبنان في الأشهر الماضية، لا يزال يدافع عن قادة هذه الأحزاب ورؤسائها، ولم تبدل الوقائع المزرية تبديلا في أدائه ومواقفه.
في خضم كل ذلك، فإن الرؤية السياسية القائمة على حماية وحفض ماء وجه بعض الوزراء السابقين الذين وصفوا بالاستفزازيين تستند الى دراسات الاستحقاق الانتخابي لتمرير ما يمكن تمريره وفق خطى دقيقة بعيدا عن الرقص على حافة الهاوية، لا سيما وان نتائج انتخابات العام 2018 تركت قلقا عند بعض الأحزاب التي فشلت في تعديل القانون النافذ لكنها تضغط من أجل تعليق انتخابات المغتربين وإلغاء المادة التي تنصّ على تخصيص 6 مقاعد نيابية للمغتربين، وفق اتفاق يرضي جميع الأطراف أو ما يعرف بالمقايضة، فهناك قرار دولي بإجراء الانتخابات وبمراقبة هذه العملية ، وبالتالي خرجت مسألة التأجيل من”أيدي المعنيين”، الذين سارعوا إلى تشغيل محركاتهم وإطلاق الحملات الانتخابية لبعض الأسماء على وجه التحديد لحسابات سياسية.
وسط ما تقدم، تبرز أسماء النائبين جبران باسيل وعلي حسن خليل والوزير السابق يوسف فنيانوس. فهؤلاء أدرجوا من قبل الإدارة الاميركية السابقة على قائمة العقوبات بتهم الفساد والارهاب، عطفا على أن خليل وفنيانوس مطلوبان للتحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت، وبالتالي فإن جهد احزابهم سينصب على تعويض ما يمكن تعويضه على باسيل وخليل وتأمين الحصانة لفنيانوس.
لا شك ان باسيل تضاءلت حظوظ وصوله الى سدة الرئاسة، فالعقوبات الاميركية ابعدت حلمه الرئاسي، وقرار رفعها يتطلب تنفيذ سلة شروط تتصل بترسيم الحدود والعلاقة مع حزب الله وعندها يبنى على الشيء مقتضاه، هذا فضلا عن ان باسيل أخرج من التركيبات الحكومية مع استبعاد الحكومات السياسية، وبالتالي فإن معركته اليوم تتمثل بالمحافظة على لقب “سعادة النائب”، فالطريق أمامه ليست معبدة بالورود رغم كل ما قدمه للبترون، فالتيار الوطني الحر تراجعت شعبيته وثمة تغييرات ستشهدها الدائرة الثالثة في محافظة الشمال وفق احصاءات مختلفة.
أما النائب خليل، فليس بأفضل حال أيضاً، فالعقوبات الأميركية عليه قطعت الطريق أمامه للوصول إلى رئاسة المجلس النيابي، فهو من الاسماء المطروحة لهذا المنصب بعد الرئيس نبيه بري اسوة بأسماء أخرى، فضلا عن أنه على غرار باسيل استبعد عن العمل الحكومي بقرار خارجي مع فرض المجتمع الدولي على لبنان حكومات من اختصاصيين غير حزبيين، ليبقى قرار إعادة ترشيحه للنيابة من قبل حركة أمل الشغل الشاغل في المرحلة المقبلة فهو يتعرض لهجوم من داخل الحركة.وهنا تجدر الإشارة الى ان نتائج انتخابات العام 2018 اظهرت أرقام متفاوتة جدا بين حزب الله وحركة امل في دوائر بيروت الثانية والجنوب الثانية والجنوب الثالثة والبقاع الغربي وزحلة وبعلبك – الهرمل وجبيل، إذ أن حزب الله حصل على 325446 صوتاً وحركة أمل على 156412. وعليه فإن حركة امل بدأت التحضير للانتخابات تجنبا لتراجع جديد محتمل، مع الاشارة الى ان خليل فاز بـ 16765 صوتاً في مرجعيون – حاصبيا.
قد يكون فنيانوس بعيدا عن الطموحات الرئاسية، بيد أن ملفي العقوبات والمرفأ قد يفتحا أمامه الباب الى البرلمان، فهناك معلومات تتحدث عن توجه رئيس تيار المرده سليمان فرنجية لترشيحه للانتخابات النيابية التي من شأنها ، لو فاز بها ، ان توفر له الحصانة النيابية التي قد تشكل درع وقاية له أمام الادعاءات القضائية ضده في جريمة انفجار المرفأ.وعليه، فإن محطة الانتخابات النيابية ستفرز مجددا اكثرية واقلية، لكن الأكيد أنها ستكون بالنسبة الى البعض بمثابة إثبات وجود وكسر خناق في وجه الصراعات والخلافات القائمة محليا وخارجيا.