ما إن عاد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي من زيارته الفرنسية التي كانت بمثابة المفتاح الأول لمسار عمل الحكومة بعد الوعود التي قدمها للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حال البدء بالإصلاحات ومنها في الجسم القضائي، حتى انفجر بوجهه لغم قضائي من النوع الثقيل بعد تهديد علني من مسؤول التنسيق والارتباط في “حزب الله” وفيق صفا للمحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، ليتبلغ بعدها دعوى طلب كفّ يده عن التحقيق في الانفجار وذلك بسبب دعوى الارتياب المشروع المقدمة من النائب نهاد المشنوق.
وبعدما أصدر البيطار أيضاً مذكرة جلب بحق رئيس الحكومة السابق حسان دياب، وذلك في إطار مسار الملاحقات القضائية في هذا الملف ورفع الحصانة النيابية عن كل من وزير المال السابق النائب علي حسن خليل، ووزير الأشغال السابق غازي زعيتر، ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، تمهيداً للادعاء عليهم وملاحقتهم، إضافة الى الادعاء على قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، ومدير المخابرات السابق في الجيش العميد كميل ضاهر، والعميد السابق في مخابرات الجيش غسان غرز الدين، والعميد السابق في المخابرات جودت عويدات.
ووسط صمت رئاسي وحكومي وقضائي حول ما جرى مع القاضي بيطار، حتى عمّ غضب شعبي كبير بين أهالي الشهداء والجرحى ومتضرري انفجار المرفأ وبدأ تصعيد في الشارع للوقوف الى جانب القاضي البيطار بانتظار أن تبت محكمة الاستئناف برئاسة القاضي نسيب إيليا قبول الدعوى أو رفضها.
هذا الأمر لم يستسغ الفرنسيين إذ جاء رد الفعل الأول من وزارة الخارجية الفرنسية التي أعربت عن أسف فرنسا لتعليق التحقيق بهدف الكشف عن الحقيقة والمسؤولية عن الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 آب 2020، وقالت إنه من حق اللبنانيين معرفة ذلك. وشددت الخارجية الفرنسية على وجوب أن تعمل العدالة اللبنانية بشفافية كاملة وخالية من أي تدخل سياسي على أن يكون الأمر متروكاً للسلطات اللبنانية للسماح باستمرار التحقيق بالموارد المالية والبشرية اللازمة، من أجل إلقاء الضوء الكامل على ما حدث بما يتوافق مع التوقعات المشروعة للشعب اللبناني. وكما أوضح الرئيس ماكرون للرئيس ميقاتي فإن فرنسا ستواصل دعم عمل القضاء بشكل مستقل وهادئ وحيادي في ما يتعلق بالتحقيق.
وفي هذا الإطار، وبحسب مصادر مطلعة أن السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو، وخلال لقائها مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أشارت الى أن إزاحة المحققين العدليين كل فترة عن هذه القضية الحساسة، ولا سيما القاضي طارق البيطار ليس في مصلحة لبنان والحكومة ويضر بسمعة القضاء اللبناني أمام المجتمع الدولي، لأن هذا الأمر من شأنه ضرب صدقية القضاء أيضاً، ودعته الى ضرورة حماية القضاء للعمل بشفافية.
وأكد الرئيس ميقاتي خلال جلسة مجلس الوزراء أن اللقاء مع الرئيس ماكرون كان جيداً جداً، وقد أبدى اهتماماً لافتاً بدعم لبنان مؤكداً استعداد فرنسا للمساعدة في أكثر من قطاع ضمن شفافية كاملة، مشدداً على أن الباب الحقيقي للنجاة هو بداية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
كما كشفت مصادر فرنسية لموقعنا أن التقرير الفرنسي حول التحقيقات في تفجير مرفأ بيروت سيصدر في تشرين الأول المقبل، فيما تسلم لبنان التقرير التقني المتعلق بالأقمار الاصطناعية من فرنسا.
كما سيوفد الرئيس الفرنسي الى لبنان خلال الأسابيع المقبلة كلاً من مستشاريه للملف اللبناني بيار دوكان وباتريك دوريل للاطلاع على آخر المستجدات ونتائج زيارة ميقاتي ولا سيما أن ماكرون أبدى استعداد فرنسا لإعادة إعمار مرفأ بيروت من شركات فرنسية.