كتبت هيام قصيفي في ” الاخبار”: بقدر ما تشكل الانتخابات النيابية همّاً للقوى السياسية بين الضغوط لإجرائها أو تأجيلها، فإن الانتخابات البلدية تمثل بالنسبة إلى المرشحين والعائلات هاجساً مضاعفاً بعد الكلام عن تأجيلها في ظل بقاء رؤساء بلديات في مقاعدهم رغم الخلافات وانفراط عقد مجالس بلدية واختيارية بالجملة، وتأجيل الانتخابات البلدية «الفرعية»، وتضاعف المشكلات البنيوية في المدن والبلدات. ومع تحسب القوى السياسية لتأثيرات الانتخابات البلدية على النيابية، وعلى عكس ما كان لوّح به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في قصر بعبدا بعد تأليف الحكومة، فإن إجراء الانتخابات النيابية والبلدية سوياً، مع أنه عملي وسهل لوجستياً، لا يصبّ في صالح الأحزاب والسلطة بشكل عام. فهي تريد الاستثمار في هذه الانتخابات، بعد تفرغها من النيابية. ولا تريد حكماً إجراءها مبكراً كي لا ترث مشكلاتها وانعكاساتها السلبية العائلات لأنها تقليدياً انتخابات عائلية. وهنا يمكن الالتفات إلى إحدى المفارقات البارزة في المشهد الانتخابي.
فإذا كانت للقوى السياسية مصلحة في تأجيل الانتخابات البلدية أو حتى عدم إجرائها، فإن مجموعات «المجتمع المدني» التي تضغط وتستجلب مساعدات مالية كبيرة، وكبيرة جداً، من أطراف محلية وخارجية لتمويل حملاتها الانتخابية واللوحات الإعلانية، شاهدة على ذلك والحبل على الجرار، لم تتحرك مطلقاً للضغط لإجراء الانتخابات البلدية، أو حتى لتحديد موعد مبدئي لها. إذ إن من المحتمل ألّا تُجرى إذا تم إرجاء الانتخابات النيابية، أو بسبب ما قد تسفر عنه نتائج هذه الانتخابات ومنحاها السياسي.
لكن مشهد «المجتمع المدني» الحالي بات يشبه ماكينات السلطة والأحزاب في خوض غمار السياسة من باب المجلس النيابي، وكل الشعارات الإنمائية تبدو فارغة أمام تجاهل استحقاق يوازي بأهميته الانتخابات النيابية. رغم أن المجتمع الدولي، الغربي تحديداً، الذي يضغط ويساهم في تمويل وتعزيز خيارات «المجتمع المدني»، يعرف من تجاربه الخاصة معنى العمل البلدي وأهميته حتى في الإطار السياسي. لكن الاستثمار في المعركة النيابية يبدو اليوم أكثر حاجة وضرورة، ما يجعل القوى السياسية وأكثرية المجتمع المدني على المستوى نفسه.