لا ريب أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تسعى لاستعادة ثقة المجتمع الدولي الذي ينتظر منها القيام بإصلاحات جذرية قيل حصول لبنان على أي دعم مالي، ولا ريب أيضا أن حكومة “معا للانقاذ” تتطلع إلى مفاوضات جدية ومثمرة مع صندوق النقد الدولي من شأنها أن تؤتي ثمارها في المدى القريب و المتوسط، بيد أن الامر الأساس يكمن تحديدا في كيفية تعاطي المصرف المركزي، فالمفاوضات التي حصلت خلال حكومة الرئيس حسان دياب شهدت تضاربا في ارقام الخسائر والديون بين وفد الحكومة من جهة والمصرف المركزي من جهة أخرى الأمر الذي دفع صندوق النقد إلى تجميد المفاوضات. يأتي كل ذلك في ظل رهانات على تسليم الحكومة باقرار جملة شروط بالتزامن مع المفاوضات وتتصل بوضع خطة متوسطة المدى لإيجاد الحلول للاختلالات في المالية العامة واقرار قانون ” الكابيتال كونترول”وتوحيد سعر صرف الدولار. وهنا يظن البعض أن ما قام به حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لجهة تعديل التعميم 151 يأتي انسجاما مع شروط صندوق النقد.
الوضع النقدي والاقتصادي مستمر بالانهيار،وهناك تخبط غير مسبوق على مستوى السياسة النقدية في لبنان. ومن هنا تبرز محاولات المصرف المركزي عبر الحاكمية في إصدار التعاميم التي دائما ما تستتبع باستيضاحات وتعديلات لها، يقول المحامي الدولي المتخصص في الشؤون المصرفية علي زبيب ل “لبنان24”. وهنا تكمن الغاية من التعميم الوسيط رقم596 والذي مدد العمل بالتعميم 151 والذي يتعلق بالسماح للمودع بسحب الدولار الأميركي الموجود والمحجوز في حسابه وفق سعر3900 ليرة.
و الجدير بالذكر أن سعر الصرف كان بحسب المنصة الالكترونية المستحدثة على اساس2850 ليرة وارتفع إلى 3900 ليرة عندما كان سعر الصرف في السوق الموازية يبلغ حوالي5000ليرة . اما وبعد ان انهارت الليرة كليا، ووصل سعر صرف الدولار الى أكثر من عشرين ألفا، ليبلغ اليوم نحو 17500، أصبحت الخسارة التي تلحق بالمودع تتجاوز ال 80 في المئة عند السحب على أساس 3900 ليرة، يقول زبيب. مع الإشارة هنا إلى ان عددا من الخبراء طالبوا برفع سقف هذه السحوبات لتصبح على سبيل المثال 12000، هذا ما سمح لجهات نيابية معنية بالدخول على الخط والطلب من مصرف لبنان تعديل السعر ليصبح 10000 ليرة .وفق زبيب، قام مصرف لبنان بتمديد العمل بالتعميم 151 حتى 31|1|2022 مبررا أن الاستقرار السياسي الحالي شكل عاملا أساسيا لاستقرار سعر صرف الدولار ، وان تقلبات أسعار السوق الموازية لا تعكس القيمة الحقيقية لسعر صرف الدولار الأميركي. فتداركا لأي نتيجة سلبية قد تتأتى عن أي زيادة حالية للكتلة النقدية في البلاد ،بانتظار خطة متكاملة للنهوض الاقتصادي وإجراء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فقد قرر التمديد للتعميم 151. من هنا لا بد من الإشارة،بحسب زبيب، إلى أن هذا التعميم الممدد هو غير قانوني وغير دستوري كونه يسمح للمصرف بإعطاء العميل أمواله بالليرة اللبنانية،فضلا عن انه يتضمن عبارة “بعد موافقة العميل” الذي هو ملزم الموافقة، خاصة إذا لم يكن لديه اي مصدر تمويل آخر وبالتالي فهو مضطر أن يسحب جزءا من حسابه المصرفي وفق سعر 3900ليرة مما يشكل خسارة له تقدر بنحو 75 إلى 80 في المئة من أمواله.أما لناحية التعميم597 والذي جاء ليعدل التعميم 158، فقد أتى هذا التعديل،كما يقول زبيب، مخالفا للاصول القانونية كحال التعميم 158الذي لم يتمكن وتعديلاته من اجتذاب العدد المرجو من المودعين للتوقيع عليه والاستفادة من 400$ كاش و400 الف ليرة وفق منصة صيرفة مع العلم أن هناك عددا كبيرا من المودعين لم يوقعوا على هذا التعميم لأسباب عدة أبرزها يتصل ببعض المصطلحات التي اضافتها المصارف لحماية نفسها.وبين هذه التعاميم والتحضير للمفاوضات مع صندوق النقد بهدف الوصول إلى اتفاق على خطة دعم تنتشل لبنان من أزمته الاقتصادية، فإن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون طلب من شركة “لازارد” للاستشارات الدولية، خلال استقبال وفد منها امس، مراجعة خطة التعافي التي وضعتها مع الحكومة السابقة، في إطار الاستعداد لاستئناف التفاوض مع الصندوق. مع الإشارة، إلى ان الفريق المفاوض لم يتمكن خلال حكومة دياب من اتمام عمله لأنه لم يكن على توافق ولم يكن يملك أرقاما موحدة، وكان هناك تحد دائم بين المصرف المركزي من جهة وبين الفريق الاختصاصي والاستشاري الذي شكل من قبل وزارة المالية من جهة اخرى. ولذلك وقبل التحضير لهذه المفاوضات لا بد من العمل، وفق زبيب، على توحيد الأرقام لأن تشكيل اللجنة لا يعني مطلقا الاتفاق على جدول موحد لاعمالها في ظل الانقسام العامودي الحاد.يظن البعض أن امكانية تحقيق شروط صندوق النقد لناحية الاستحصال على برنامج قصير أو طويل المدى، سيكون الحل الأنسب للازمة الراهنة، لكن لا بد من التوقف عند تجميد صندوق النقد المفاوضات خلال الحكومة السابقة بسبب عدم الاتفاق، واستخلاص العبر للتوصل إلى صيغة اتفاق شاملة، علما ان وصول المفاوضات إلى الطريق المنشود دونه بعض الشروط التي ستكون قاسية على لبنان على المدى القصير، لكنها ستخلق فرصا وتداعيات ايجابية على المدى الطويل.