كتب المحرر السياسي: أخيرًا يمكن القول إن العد العكسي بدأ لإعادة إطلاق مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، التي يُنظَر إليها على نطاق واسع باعتبارها “حجر الأساس” لأي خطة إنقاذية يُبنى عليها، لأنها ستحدد “وجهة” العمل الحكومي في المرحلة المقبلة، فضلاً عن طريقة تعاطي المجتمع الدولي معه.
جاء ذلك بعدما شكل مجلس الوزراء لجنة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي برئاسة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، وعضوية كل من: وزير المالية يوسف الخليل، ووزير الاقتصاد أمين سلام، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على أن يضمّ وزراء، ويستعين بخبراء من أصحاب الاختصاص وفقًا للمواضيع أو الملفات المطروحة في مسار التفاوض.ومع الإعلان عن التوافق بين رئيسي الجمهورية والحكومة على تشكيلة الوفد و”خريطة الطريق” المبدئيّة لعمله، برز طلب الرئيس ميشال عون من شركة “لازارد” ضرورة استكمال مهمتها الاستشارية للدولة اللبنانية في إطار التحضير للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل النهوض بالاقتصاد اللبناني.
وجهة الاهتمام
لا شكّ أنّ تشكيل الوفد المفاوض يشكّل الخطوة الأولى في مسارٍ طويل، قد لا يكون مضمونًا، لكنّه بطبيعة الحال، يشكّل نقطة الانطلاق في عمل الحكومة، التي تعهّدت بالعمل على الإنقاذ، والتي تنطلق من مقتضيات المبادرة الفرنسية، التي رسمت “خريطة طريق” للحلّ، تقوم أساسًا على ما يمكن أن يحصّله لبنان من صندوق النقد بنتيجة المفاوضات.وتشير المعلومات إلى أنّ “خريطة الطريق” هذه شكّلت نقطة نقاش أساسيّة في اللقاء الذي جمع أخيرًا الرئيس نجيب ميقاتي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العاصمة الفرنسية باريس، حيث شدّد الأخير على أنّ فرنسا لن تتخلى عن لبنان، ولكن بموازاة لعب الأخير الدور المطلوب منه، وإعداد خطة التعافي المطلوبة اقتصاديًا.ولعلّ التشكيلة “التقنية” للوفد تعطي انطباعًا إيجابيًا مبشّرًا، خصوصًا أنّها تركت المجال مفتوحًا للاستعانة بخبراء في المجالات المختلفة، بحسب تقدّم النقاشات مع صندوق النقد، علمًا أنّ الأمر لم يَخلُ من بعض الأخذ والردّ، مع حديثٍ “افتراضيّ” عن خلافات، وعن محاصصة دخلت على الخطّ، يبدو أنّها، إن صحّت، أمكن تجاوزها. مهمّة “غير مستحيلة”إزاء ذلك، تبدو مهمّة الحكومة صعبة ومعقّدة، لكنها بالتأكيد “غير مستحيلة”، علمًا أنّ الرئيس نجيب ميقاتي كان واضحًا حين وضع المفاوضات مع صندوق النقد في صدارة “العهود” التي قطعها منذ تأليفه الحكومة، لإدراكه أنّ أيّ جرعة دعم لن تصل إلى لبنان، إلا من خلال هذا المسار، الذي لم يعد هناك من “غنى” عنه.وفي حين يقول البعض إنّ على لبنان أن يأخذ رأي صندوق النقد بالخطوات التي يجب على الحكومة اتخاذها، لا سيما بعدما نفّذ “المطلب الأساسي” الذي كان يطرحه الصندوق سابقًا، والمتعلق برفع الدعم عن المحروقات، الذي من شأنه أن يؤسّس للعديد من الإصلاحات الأساسية، يؤكد العارفون أنّ إقرار “خطة التعافي” يجب أن يسبق انطلاق المفاوضات، لأنّه سيرسم جانبًا من الجدية والمثابرة لا بدّ من إعطائه للمفاوضين.ويوضح العارفون أنّ الوفد المفاوض، بما يملك من كفاءات، سيكون معنيًا بتقديم “مقاربته” لوفد صندوق النقد، على أن يترك الباب مفتوحًا لـ”الاستنارة برأيه”، مع “الانفتاح” الكامل على أيّ طروحات يمكن أن تأتي من هنا وهناك، مع الالتزام بالثوابت التي وضعتها الحكومة في بيانها الوزاري، والذي تعهّدت فيه بالوقوف إلى جانب المواطنين، وإخراجهم من الأزمات التي يتخبّطون خلفها، ولو بالحدّ الأدنى المُتاح. يقول البعض إنّ الحكومة قد تجد نفسها، توازيًا مع المفاوضات، أمام خيارات غير شعبيّة، لكنها ضرورية، فيما يرى البعض الآخر أنّ هذه الخيارات أضحت “أمرًا واقعًا”، خصوصًا مع رفع الدعم عن المحروقات، وأنّ المطلوب استكمالها سريعًا. في كل الأحوال، الأكيد أنّ المفاوضات مع صندوق النقد ستكون الباب الذي من خلاله فقط، يمكن “تشريع الباب” أمام “خريطة الإنقاذ” الموعودة، وهذا بيت القصيد!