على رغم ما تبديه حكومة “معًا للإنقاذ” من جهود إستثنائية في محاربتها على أكثر من جبهة في آن واحد، فإن ثمة أزمات قديمة – جديدة لم يعد في مقدور الناس تحمّلها. المسؤولون يعملون فوق طاقتهم، وهذا ما يبدو جليًا من خلال الحركة اليومية، التي لا تهدأ. ولكن تراكم الأزمات وتفاقمها يجعلان أي عمل يقوم به الوزراء من دون نتيجة تُذكر. ولكن يجب على المرء أن يكون منصفًا في إطلاق الأحكام المسبقة، خصوصًا أن هؤلاء الوزراء لم يمضِ على تسّلمهم مسؤولياتهم الرسمية سوى أسبوعين.
ولكن، لا يمكن أن نلوم المواطن الذي لا تعنيه الأرقام كثيرًا، بل جلّ ما يريده هو ألا ينقطع التيار الكهربائي في منزله أو في مكان عمله أو في معمله أو مشغله ساعات طويلة ومتواصلة. في المبدأ ما يطلبه هذا المواطن، سواء أكان في هذه المنطقة أو تلك، هو حقّ يحصل عليه أي إنسان في أي بلد من العالم من دون منّة أو تربيح جميل، حتى في ما نسمّيها مجاهل أفريقيا، وذلك بدل عادل ومقبول ولا يتخطّى المعقول سوى في الحالات الإستثنائية كالمناطق الحارة أو المناطق الباردة، والتي تحتاج إلى التزود بالطاقة أكثر من المناطق المعتدلة المناخ.
الحديث هو نفسه أينما حللت وكيفما توجهت. لا حديث آخر يعلو على حديث الكهرباء والإنقطاع الكارثي الذي تعانيه معظم المناطق اللبنانية، مع العلم أن مساحة لبنان والكثافة السكانية فيه لا توازي ربع مساحة ولاية نيويورك مثلًا أو أي مقاطعة أو ولاية في دول أخرى.
من يعيشون في الخارج من اللبنانيين، سواء في الدول العربية والخليجية بالأخص أو في سائر دول العالم، لا يمكنهم أن يفهموا لماذا يعاني اللبنانيون ما يعانونه من مشكلة غير موجودة في الأساس سوى في لبنان. فإنتاج الكهرباء، سواء بواسطة المحروقات كما هي الحال في لبنان، أو بواسطة الإنتاج الكهرومائي أو الهوائي أو حتى بواسطة الطاقة الشمسية، هو إنتاج يُعتبر إستثمارًا مربحًا. فلماذا لبنان وحده دون سائر دول العالم عليه أن يتحمّل كل هذه الأعباء، وهو كان يدفع، ولا يزال، فاتورتين بدل كهرباء لا تصل إليه سوى لساعات معدودة.
فإذا كان هذا القطاع غير مربح، كما هي الحال مع شركة كهرباء لبنان الواقعة تحت عجز دائم، الذي أدّى مع مرور الوقت إلى تكبيد الخزينة اللبنانية ما يقارب الأربعين مليار دولار، أي بمعدل ملياري دولار سنويا، فما كنا رأينا تنامي ظاهرة المولدات البديلة، ولما كنا رأينا في فترة من الفترات، وقبل أزمة المازوت، أصحاب هذه المولدات وقد أصبحوا من أصحاب النِعم الحديثة (noveaux riches).
فلماذا لا تكون الدولة بدورها من أصحاب النِعم الحديثة طالما أن قطاع إنتاج الكهرباء مربح؟
الجواب يعرفه كل مواطن قبل المسؤولين الذين لا يريدون الإعتراف بواقع هذا القطاع.
قد نقول إن السبب هو سوء إدارة هذا القطاع، وذلك كي لا نتهمّم جزافًا أحدًا بالفساد المستشري في هذا القطاع، الذي يشبه مغارة علي بابا وأكثر من أربعين حرامي.
على رغم كل هذه المشاكل لا يمكن أن نلقي اللوم على الحكومة الحالية لأنها لم تستطع أن تنجز في أيام وفي أسابيع ما لم يُنجز في سنوات.