ليس تفصيلًا أن تعود الحركة الديبلوماسية العربية والغربية إلى الساحة اللبنانية بعد إنحسار لأكثر من عامين تقريبًا. وهذه الحركة، كما يقول العارفون، لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة عودة الثقة العربية والدولية من جديد بلبنان، الذي يبدي المسؤولون فيه كل الإستعدادات الممكنة لوضع قطار الإصلاحات السياسية والمالية والإدارية على سكّته الصحيحة. وهذا يعني باللغة الديبلوماسية وبالمفهوم العام للعلاقات الثنائية بين الدول أن ثمة مصالح مشتركة تحتّم على المجتمع الدولي التعاطي مع لبنان على أسس جديدة وواضحة، سواء أكان من خلال الإهتمام الجماعي وعبر المنظمات الدولية، أو من خلال الإهتمام الإفرادي لكل دولة على حدة، على أن يبقى التعويل اللبناني على الإنفتاح العربي، وبالأخصّ الخليجي، وذلك لأسباب عديدة، ومن بينها وأهمها العلاقات التاريخية بين لبنان وأشقائه العرب، إن على المستوى الرسمي أو على مستوى العلاقات الأخوية بين اللبنانيين وأشقائهم العرب.
فطبيعة هذه العلاقة التاريخية تحتّم على الجميع العودة إلى ما كانت عليه في السابق، وبالأخصّ بين لبنان والمملكة العربية السعودية، التي تبقى بالنسبة إلى اللبنانيين غاية في حدّ ذاتها، خصوصًا أن كثيرين منهم يساهمون وبفاعلية في إنماء المملكة، وهم يشكّلون الرافعة الأساسية لمدّ أهاليهم في لبنان بمقومات الصمود، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها بلدهم.
وفي بعض المؤشرات التي يمكن وصفها بالإيجابية، والتي يمكن البناء عليها، فإن ثمة تحركًا بعيدًا عن الأضواء يقوم به أفراد من الجالية اللبنانية على علاقة صداقة متينة مع عدد من المسؤولين السعوديين، وذلك بهدف تقريب وجهات النظر بين لبنان والمملكة، والعمل بجدّية لتذليل العقبات التي لا تزال تعيق تحقيق أي تقدّم على خطّ إعادة العلاقات الثنائية إلى سابق عهدها.
ويأتي هذا التحرك من قبل الجالية اللبنانية في المملكة بالتزامن مع المساعي التي تبذلها فرنسا، من دون أن يعني ذلك الإفراط في التفاؤل، لأن الذين يتعاطون بهذا الملف يقيسون خطواتهم بدّقة وعناية فائقة، لأن الوضع يتطلّب التعاطي معه بكثير من الحكمة والوعي وعدم التهوّر.
من هنا، فإن ما يمكن التعويل عليه حاليًا هو أن تجد هذه الإتصالات الأرضية الصالحة والمناسبة للتأسيس لخطوات مستقبلية أكثر جدّية وأكثر عقلانية وأكثر واقعية، وذلك إنطلاقًا من مبدأ تكريس إحترام خصوصية كلا البلدين، مع ما يمكن أن تشكّله التعددية اللبنانية من عامل إضافي من شأنه أن يصبّ في خانة تعزيز العلاقات الثنائية بين لبنان وأشقائه العرب.
أمّا على الصعيد الديبلوماسي الغربي فإن التحرّك الدولي تجاه لبنان تبدو وتيرته تصاعدية وتدرجية، وذلك من خلال تنامي ظاهرة توافد كبار المسؤولين في الدول التي يهمّها كثيرًا تحسّن الوضع اللبناني، وصولًا إلى بدء المفاوضات الثنائية بين لبنان وصندوق النقد الدولي، بعد سلسلة إجتماعات ترأسها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع الوفد اللبناني المفاوض، حيث تركّز البحث على الآلية التي سيتّبعها لبنان في مفاوضاته.
بالإختصار يمكن إدراج الإهتمام الدولي بالوضع اللبناني في خانة مدى إرتياح هذه الدول لمسار الأمور المستجدّة على الساحة اللبنانية، خصوصًا بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وما يبديه الوزراء، من خلال تعاطيهم اليومي مع مختلف الملفات، من جدّية ومسؤولية يمكن التعويل عليها لرسم معالم مرحلة جديدة تكون بدايتها بورشة إصلاحية شاملة وفق أولويات سبق للحكومة أن حدّدتها ببيانها الوزاري.