“الشراء العام” قانون لم يُنفّذ؟

6 أكتوبر 2021
“الشراء العام” قانون لم يُنفّذ؟

قرارات المجلس الدستوري غير قابلة للطعن. ما إن يصدر القرار بالأغلبية القانونية، حتى يصبح نافذاً، حتى لو أخطأ. هذا ما يؤكده خبراء دستوريون رأوا في القرار الصادر بشأن الطعن المقدم في قانون الشراء العام، تخطياً للدور المنوط به. فهو ذهب إلى تعديل قانون لا يخالف الدستور، لتكون النتيجة إقصاء موظف من وظيفته.

عندما أصدر المجلس الدستوري قراره في شأن الطعن الذي قدّمه التيار الوطني الحر في قانون الشراء العام، سارع كثر إلى الاحتفاء به، معتبرين أن المجلس رد الطعن، وكرّس أحد المطالب الإصلاحية التي طال انتظارها. الخبر الأولي الذي نُشر في الوكالة الوطنية، في 16 أيلول الماضي، ربما يوحي بذلك، إذ أشار إلى أن المجلس قرر «إزالة الالتباس من البند «ي» من المادة 78 بتفسيره بأن رئيس مجلس الوزراء يحيل جميع أسماء الناجحين ويقترح المقبولين منهم لكل منصب بحسب ترتيب العلامات»، وإبطال البند الثاني من المادة 88 جزئياً بشطب كلمة «أعضاء» منه وتثبيت الباقي، وردّ الطعن في ما عدا ذلك.

 
لكن التدقيق في القرار بعد نشره كاملاً يُظهر أن الطعن لم يُردّ فعلاً.

 
وفيما وجد نواب في ذلك النص انتصاراً لمبدأ الشفافية وإبعاداً للمحسوبيات، أكدت مصادر دستورية أن هذا الانتصار جزئي، فإذا كان النواب يعتبرون أن ما تحقق لناحية فرض آلية ثابتة للتعيين، تتخطى أهواء الوزراء هو إنجاز بحد ذاته، فإن المصادر تؤكد أن هذه الآلية لم تلغ حق مجلس الوزراء باختيار الأقل كفاءة من بين الناجحين ربما، فهو بحسب الآلية غير مضطر للالتزام بترتيب العلامات أثناء التعيين. ورغم أنه يُنظر إلى هذه الآلية كأضعف الإيمان حتى لا يكون مجلس الوزراء مجرد مصدر لقرار لا رأي له فيه، إلا أن الآلية، بحسب المصدر، تخالف المادتين 12 و95 من الدستور، اللتين تؤكدان على معياري الجدارة والاستحقاق، مع مراعاة التمثيل الطائفي. وبهذا المعنى، إذا كانت المناصفة في الوظائف العامة تكون أحياناً الحجة لتوظيف الأقل كفاءة لأنه الوحيد من طائفته، فإن الآلية الجديدة، ستسمح بعدم اختيار الأكفأ حتى لو كان منافسه من الطائفة نفسها أكفأ منه.
 
اللافت أيضاً أن المجلس يقر في مطالعته بأن المشرّع، طالما لم يخالف الدستور، له بمقتضى صلاحياته الدستورية أن يلغي قانوناً نافذاً أو أن يعدل أحكام هذا القانون. وهو إذ يقرّ بأن القانون المطعون فيه لم يخالف أحكام المادة 65 من الدستور (صلاحية تعيين موظفي الفئة الأولى)، بل نقل صلاحيات إدارة المناقصات إلى هيئة الشراء العام، عاد واعتبر أن ما يثير الجدل هو إيلاء رئاسة الهيئة إلى مدير عام المناقصات.
ولذلك، ناقض نفسه مجدداً، مفترضاً أن التعيين يجب أن يشمل الرئيس أيضاًَ، فقرر أولاً «تحصين» البند الثاني من المادة 88 بحذف «كلمة» أعضاء من العبارة التي تشير إلى أنه «إلى حين تعيين أعضاء الهيئة يتولى رئيس الهيئة مهامها». ما يعني تلقائياً أن رئيس الهيئة يصبح بلا مهام بمجرد تعيينها، فيما كان المشرع قد أشار، بحسب النقاشات التي جرت في اللجان، إلى أن يتولى رئيس إدارة المناقصات رئاسة الهيئة للولاية الأولى (بسبب تطبيق قانون الهيئة)، انطلاقاً من حقه المكتسب بترؤس هيئة حلّت بدلاً من الإدارة التي يرأسها، فيما التعديل جاء بمثابة التعديل للتشريع وليس تحصيناً له كما ورد في قرار الدستوري. وتلقائياً انطوى القرار، ليس على لعب المجلس الدستوري دوراً تشريعياً فحسب، بل أيضاً الحلول محل مجلس الوزراء، وإقرار صرف موظف عمومي. إذ بعد إنجازه التحضيرات اللازمة لإنشاء الهيئة، يصبح رئيس إدارة المناقصات، بموجب التعديل الذي أفتى به المجلس الدستوري، عاطلاً عن العمل، أو بشكل أدق موضوعاً في التصرف. لكن الأخطر من ذلك، بحسب ما يتخوف نواب عملوا على إعداد القانون، هو عدم تطبيق القانون بالمطلق، وتحوّل الفترة الموقتة، أو الانتقالية، إلى دائمة، فتكون النتيجة استمرار رئيس إدارة المناقصات بتولي مهام الهيئة، من دون أن يكون رئيسها، ومن دون تعيين أعضائها.