على بُعد أشهر من الانتخابات النيابية، التي باتت شبه محسومة رغم الشكوك “المشروعة”، لا تزال “الضبابية” تحيط بالكثير من تفاصيلها، بدءًا من موعدها، في ظلّ حديثٍ عن تقريبها، قد تحول دونه بعض الصعوبات اللوجستية، إضافة إلى “مصير” تصويت المغتربين، وآليّته، وقبل ذلك “وجهته”، إن جاز التعبير.
فإذا كان قانون الانتخاب الحالي قد كرّس حقّ المواطنين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية بالاقتراع، في السفارات والقنصليات المعتمدة، وهو ما طُبّق في عام 2018، ويفترض أن يتكرّر في الانتخابات المقبلة، إلا أنّه نصّ في الوقت نفسه على “آليّة” مختلفة لعمليات الاقتراع في الخارج ينبغي، وفق القانون، أن تُعتمَد في هذه الدورة.
فقد نصّ القانون، في المادة 112 منه، على استحداث ستة مقاعد لغير المقيمين، تحدّد بالتساوي ما بين المسيحيين والمسلمين، موزعين على المذاهب الأساسية (ماروني، أرثوذكسي، كاثوليكي، سنّي، شيعي، درزي)، وبالتساوي بين القارات، على أن يجري الاقتراع على أساس النظام النسبي ودائرة انتخابية واحدة قبل 15 يومًا على الأكثر من موعد الانتخابات في لبنان (المادة 118).
استحالة لوجستيّة؟
تثير هذه المادة الكثير من “الجدل” في الأوساط السياسية، وسط حديث تتبنّاه الكثير من القوى النافذة عن “استحالة” تطبيقها للكثير من الاعتبارات والأسباب، بينها اللوجستيّ وبينها السياسيّ، لا سيّما وأنّ عامل الوقت قد لا يكون مُتاحًا أو مساعدًا لتطبيق مادّة “معقّدة” يصفها الكثير من الخبراء والباحثين الانتخابيين أساسًا بـ”البدعة”.
فمع أنّ هذه المادة اعتُبِرت “إصلاحيّة” حينما وُضِعت، بوصفها خطوة متقدّمة، لا تكتفي بمنح المغتربين حقّ الاقتراع، بل تمنحهم دائرة “حصرية”، بممثّلين مباشرين لهم، ثمّة من يراها خلافًا لذلك “اقتلاعًا” للمنتشرين من جذورهم، وفصلهم عن الدوائر الأصليّة التي ينتمون إليها، فضلاً عن كونها تختزل “تصنيفًا مزيّفًا” يوحي وكأنّ هؤلاء المغتربين لن يمثّلهم سوى نوابهم الستّة، في حين أنّ النواب الـ128 يفترض أن يكونوا ممثّلين لهم.
وبعيدًا عن هذا الاعتبار، هناك من يطرح بعض علامات الاستفهام، في معرض الدفاع عن فكرة “الإطاحة” بهذه المادة، من قبيل: كيف سيتمّ تطبيق نظام “المحاصصة الطائفية” على القارات الستّ؟ من سيقرّر إلى أيّ طائفة ستؤول هذه القارة أو تلك، ووفقًا لأيّ اعتبار أو تصنيف؟ وماذا عن “شكوى” بعض الأحزاب، وفي مقدّمها “حزب الله”، من غياب تكافؤ الفرص، لعدم قدرة المؤيدين والمناصرين على الحشد والتعبئة أسوة بغيرهم؟!
هل يقبل باسيل؟
في الأوساط السياسيّة، يُحكى عن توافق على “تجاوز” هذه المادة، بحيث يصوّت المغتربون، كما فعلوا في العام 2018، في الدوائر التي ينتمون إليها، ولكن في مراكز اقتراع تُخصَّص لهم في السفارات أو القنصليات أو غيرها، علمًا أنّ الحديث يدور عن “شبه إجماع” على ذلك بين القوى السياسية، وإن كان يتطلّب تعديلاً قانونيًا ليدخل حيّز التنفيذ.
إلا أنّ “شبه الإجماع” هذا لا يخلو مرّة أخرى من “استثناءات”، فـ”التيار الوطني الحر” لا يزال متمسّكًا بتطبيق هذه المادة بحذافيرها، وقد يكون الوحيد في هذا المضمار، وقد عبّر رئيسه الوزير السابق جبران باسيل عن هذا الموقف بوضوح بعد اجتماع تكتل “لبنان القوي” أمس، حيث شدّد على أنّ “حق الترشح والاقتراع في الدائرة 16 أقرّ، ولا يجوز التراجع عنه”، مشيرًا إلى أنّ الهدف “تعزيز المنتشرين وإعطاؤهم الدور”.
لكن، ثمّة في الأوساط السياسية، من يعتبر أنّ كلام باسيل “للاستهلاك السياسيّ”، وهو ينطلق من حسابات “انتخابية” بالدرجة الأولى، لا سيما أنّ حليفه “حزب الله” يشكّل “رأس حربة” في التعديل القانونيّ، وهو غير متحمّس أساسًا لتصويت المغتربين بالمُطلَق. ويرى هؤلاء أنّ باسيل سيحتكم في النهاية للآلية الديمقراطية، وسيقبل بما يقرّره البرلمان في هذا الإطار، لكنّه لن يتردّد في الاستفادة “انتخابيًا”، وفق تصنيفه، من الموقف الحاليّ.
بات مؤكّدًا أنّ “دائرة الاغتراب” ستُطرَح على التصويت في مجلس النواب ضمن “تعديلات إجرائها” لا بدّ من إحداثها على قانون الانتخاب، تشمل بنودًا أخرى، على غرار البطاقة الممغنطة، والميغاسنتر، وربما الإنفاق الانتخابي في ضوء تدهور العملة. لكنّ الخشية، كلّ الخشية، تبقى لدى كثيرين من أن “يتسلّل” البعض خلف هذه التعديلات للمسّ بـ”جوهر” القانون، فهل يمكن لمثل هذا “السيناريو” أن يحصل؟