حراك ديبلوماسي خارجي متواصل وحركة ناشطة يشهدها لبنان خلال هذه الفترة، لا سيما بعد تشكيل الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي، حيث حضر الملف اللبناني في لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن، وبين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ووزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان.
أما في لبنان، فلا يزال المبعوث الرئاسي الفرنسي بيار دوكين يتواصل ويجتمع يومياً، ويجري مروحة اتصالات واسعة بالمسؤولين اللبنانيين، فيما شهد الأسبوع الحالي زيارتين لكل من وزيرَي خارجية ألمانيا هايكو ماس وقبرص نيكوس كريستودوليدس، ليختتم هذا الأسبوع بزيارة وزير خارجية ايران حسين أمير عبد اللهيان.
هذه الحركة اللافتة تجاه لبنان، حملت في طياتها جملة نتائج سياسة واقتصادية، على الرغم من أنها وُصفت بالاستطلاعية.
وبحسب مصادر مطلعة لموقع “لبنان الكبير”، ففي السعودية وعلى الرغم من القول أنّ الملف اللبناني تم طرحه كتفصيل بين الجانبين، إلا أنّ الوضع لم يكن على هذا الحال، إذ أنّ الوزير لودريان طلب دعماً سعودياً لحكومة لبنان بدل تقديم المساعدات فقط، وقام بتشجيع الرياض للاهتمام بلبنان أكثر مع عدم تركه للنفوذ الإيراني.
فقوبل هذا الطلب بالرفض والتباين في المواقف وعدم التجاوب مع السعي الفرنسي لتقديم مساعدات للبنان، في ظل استمرار سيطرة “حزب الله”.
ثم جرى طرح مسألة دعم الانتخابات النيابية المقبلة في العام 2022، لأنها العامل الأساسي للتغيير في لبنان.
إلا أنّ الجانب السعودي لا يزال على رأيه وهو ينتظر التحولات الكبرى في المنطقة في ضوء محادثات الاتفاق النووي المتوقع استئنافها قريباً، إضافة إلى المحادثات المستمرّة بين الرياض وطهران، ونتائج عمل الحكومة في لبنان ليُبنى على الشيء مقتضاه.
وعلى الرغم من النتائج السلبية لهذا اللقاء، إلا أنّ هذه المواضيع وسواها طرحت كذلك خلال اللقاء الذي جمع الرئيس ماكرون مع الوزير بلينكن، حيث أرادت باريس تخطّي الخلاف مع الحليف الأميركي من أجل اتخاذ إجراءات ملموسة.
وشدّد الطرفان على أهمية التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أثناء فترة الرئاسة الفرنسية خلال النصف الأول من العام المقبل، إذ أنّ باريس ستسعى إلى طرح الملف اللبناني بعدما كلفت به من بوابة المبادرة التي طرحتها سابقاً، ومواصلة العمل على كل ما يخصّ لبنان عبر موفديها إلى بيروت والذين يراقبون عن كثب سير الأمور.
وأشارت مصادر فرنسية لـ”لبنان الكبير”، إلى أنّ ماكرون طرح مسألة الانتخابات النيابية اللبنانية وأهمية الدعم الأميركي لها، إضافة إلى قطاع الكهرباء، واستئناف التفاوض حول الحدود البحرية وضرورة مساعدة الولايات المتحدة في هذا الأمر، لا سيما أنّ شركة “توتال” الفرنسية هي واحدة من الشركات الكبرى التي ستتولى التنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9 المُتنازع عليه.
كما أكدت باريس على أهمية الدعم الفرنسي للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وأهمية إنجاح هذا الأمر من أجل إنقاذ لبنان من أزمته لما لها من تأثير في الصندوق.
ووسط تأكيدات المسؤولين اللبنانيين، لا سيما رسالة الرئيس ميقاتي إلى الصندوق، وتأكيد وزارة المال أنّ المحادثات مع الصندوق قد بدأت، وتأكيد رئيس الجمهورية ميشال عون أنّ خطة التعافي المالية والاقتصادية والاجتماعية والمصرفية ستعرض فور إنجازها على مجلس الوزراء لاعتمادها في التفاوض، مشيراً إلى ضرورة تزامن درس هذه الخطة مع تنفيذ خطة الكهرباء وتطوير مرفأ بيروت وتنفيذ التدقيق المالي الجنائي.
إلا أنه وبحسب المصادر لموقعنا، ليس هناك أي شيء يُذكر قد تحقّق حتى الساعة بشأن خطة الحكومة للتعافي، بعدما طلبت اللجنة المكلفة ثلاثة أسابيع لإجراء التحضيرات، فيما يُعرف أنّ التفاوض مع صندوق النقد قد يأخذ وقتاً طويلاً نظراً للتدقيق الذي يقوم به الصندوق، بانتظار تحقيق الإصلاحات المطلوبة.
كما يراقب ويتابع عن كثب كيفية إنفاق الحكومة مبلغَ المليار و135 مليون دولار والتي حصل عليها من حقوق السحب الخاصة وضمان عدم إهدارها.
وتبقى العين على نتائج زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان بعد الاتصال الثاني للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، حيث تم البحث في أوضاع لبنان، وإثر عودته من روسيا وتأكيده أنّ مفاوضات فيينا ستُستأنف قريباً، وبعد أن يعرّج على دمشق بعدما سبقته قافلات النفط الإيراني في تحدٍ غير مسبوق للعقوبات الأميركية، ووسط صمت لبناني مريب.
جولة الوزير اللهيان في المنطقة تؤكد، بحسب مصادر مطلعة، أنّ طهران حريصة على التأكيد أنّ بيدها الحل والربط في المنطقة ومنها لبنان، وأنها تمتلك أوراقاً مهمّة للعودة إلى طاولة المفاوضات في فيينا.
هذا الحشد الديبلوماسي الأميركي والأوروبي والإيراني تجاه لبنان، لا بد أن تترجم نتائجه قريباً، في حال قامت الحكومة اللبنانية بما يتوجّب عليها سريعاً من أجل استعادة ثقة المجتمع الدولي والدول المانحة التي لا تثق بالقوى السياسية المُمثلة بالحكومة، لكنها ستسعى إلى مساعدة لبنان ومساندته، في حال ساعد نفسه من أجل نهوضه مجدداً، وإلا فإنّ الأمور ستبقى مرهونة بتغييرات قد تحملها الانتخابات النيابية المقبلة، والتي تبقى أنظار المجتمع الدولي مشدودة نحوها لتحقيق نوع من الديموقراطية التي يحتاجها لبنان في عملية إنقاذه.