كتب المحرر السياسي:
منذ ما قبل تشكيل الحكومة، يحافظ “حزب الله” على “حياد إيجابيّ”، إن جاز التعبير، ولو أنّه متّهَم في الكثير من الأوساط، بأنّه بات “حامي” الطبقة السياسيّة بدفاعه المتكرّر عنها، منذ انتفاضة 17 تشرين، التي كان أول المصوّبين عليها، وصولاً إلى التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، حيث تولّى مهمّة الهجوم على المحقق العدلي، واتهامه بـ”التسييس”.
لكنّ الحزب، الذي تحوّل في مرحلة من المراحل إلى “حليف الجميع”، فبات “جامع الأضداد”، إن جاز التعبير، بتحالفه “التاريخي” مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، و”الثابت” مع غريمه رئيس الجمهورية ميشال عون، ومن خلفه رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، و”صداقته” في الوقت نفسه مع معظم الأفرقاء الآخرين، بدا في الأيام الأخيرة، وكأنّه يغيّر “تكتيكه”، ويخرج عن “الهدنة” التي فرضها على نفسه قبل الآخرين.
هكذا، يمكن أن تُفسَّر التصريحات اللافتة لرئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين، والتي تخضع للتحليل منذ يومين، حيث وضعها البعض في سياق مرحلة جديدة من “المواجهة” مع الإدارة الأميركية من داخل لبنان، بل إعلان “حرب” على بعض “أجهزة الدولة” التي “يتسلّل” الأميركيّون إليها، من دون أن يوفّر الحكومة التي دعاها لـ”استثمار” الفرص والمبادرات المُتاحة، وعدم تضييع الوقت.
“معركة” ضدّ الأميركيين
في تصريحاته، قال السيد صفي الدين إنّ الأميركيّين “يؤثّرون في لبنان أمنيًا وسياسيًا وماليًا واقتصاديًا”، وإنّهم “أقوياء في الدولة اللبنانية ولديهم الكثير داخلها”، مشيرًا إلى أنّ الحزب لم يخض حتى الآن “معركة إخراج الولايات المتحدة من أجهزة الدولة، ولكن إذا جاء اليوم المناسب وخضنا هذه المعركة، فسيشاهد اللبنانيون شيئًا آخر”.
وقد أثارت تصريحات السيد صفي الدين التي وصف فيها الولايات المتحدة بأنّها “عدو لا يقلّ عداوة عن إسرائيل”، الكثير من التساؤلات، فما هو المغزى الذي أراد إيصاله، وفي أيّ اتجاه؟ ومن هو المُستهدَف من هذه المعركة التي لم يخضها “حزب الله”، لكنّه قد يفعل “في اليوم المناسب”؟ وقبل ذلك، ما مناسبة هذا الكلام في هذا التوقيت بالتحديد، والبلاد على أعتاب مرحلة جديدة مع تشكيل الحكومة؟
يفصل العارفون هذا الكلام عن الموضوع الحكوميّ، ولو أنّ السيد صفي الدين كان واضحًا أيضًا بأنّ أمام الحكومة فرصة عليها استثمارها، وإلا ستذهب كلّ الجهود “هباء منثورًا”، حيث يؤكّدون أنّ “حزب الله” يبقى في موقع الداعم للحكومة والمدافع عنها، وهو يعتبر نفسه “شريكًا أساسيًا” على خطّها، وبالتالي فإنّ “الرسالة المشفّرة” التي تعمّد إرسالها، ليست موجّهة لها بأيّ شكل من الأشكال.
من يقصد “حزب الله”؟
ثمّة في التفسيرات والتحليلات من وجد أنّ الرسالة موجّهة تحديدًا إلى مؤسسة الجيش اللبناني، نظرًا للعلاقة “المتينة” التي تربطها بالولايات المتحدة، والتي يحرص قائد الجيش العماد جوزف عون على تمتينها، وهو المتَّهَم في بعض الأوساط السياسية بأنّه “طامح” للوصول إلى رئاسة الجمهورية، أسوة بالكثير من “أسلافه”، وهو ما سبّب له بنفورٍ مع الوزير السابق جبران باسيل في وقتٍ سابق.
لكنّ العارفين بأدبيّات الحزب ينفون هذا الأمر، ويقولون إنّه لو أراد الحزب توجيه أيّ “رسالة” إلى الجيش اللبناني، لفعل ذلك مباشرةً لا مواربة، خصوصًا في ظلّ “القنوات المفتوحة” بين الجانبين، علمًا أنّ الحزب، المتمسّك بمعادلة “الجيش والشعب والمقاومة”، الذهبيّة في تصنيفه، يحرص على علاقته مع المؤسسة العسكرية “فوق كلّ الشبهات”، وهو يتفهّم كلّ الحيثيات التي تدفع قيادة الجيش للتعامل مع الأميركيين وغيرهم.
برأي هؤلاء، فإنّ السيد صفي الدين كان يتحدّث “في العموميّات”، للإضاءة على واقع عابرٍ لمؤسسات الدولة وأجهزتها، وهو لم يكن يقصد جهازًا محدّدًا بعينه، فالأميركيون “يخترقون” العديد من الأجهزة، من دون أن يعني ذلك “مصادرة” لقرار قياداتها، وهو كان ينطلق في حديثه عن هذا الأمر، من بوابة التباهي بـ”النقلة النوعية” التي حقّقها الحزب في موضوع استيراد المازوت الإيراني، ما شكّل برأيه باكورة “كسر الحصار الأميركيّ”.
رغم الضجّة التي أثارتها تصريحات السيد صفي الدين، الذي يُصنَّف على أنّه “الرجل الثاني في حزب الله”، إلا أنّ المعنيّين يقلّلون من وقعها، ويستبعدون أن تكون دليلاً على أيّ تغيير في التكتيك أو الاستراتيجيّة، فالحزب يعتبر نفسه في “معركة” مع الأميركيّين منذ بداياته، وهو صاحب شعار “الموت لأميركا”، لكنّه يدرك الواقع، ما يوحي بأنّ التصريحات قد تكون للاستهلاك الشعبيّ، بالدرجة الأولى، على أبواب الانتخابات، بعيدًا عن أيّ “معركة” على الأرض قد تضرّ ولا تنفع!