حتى اللحظة لم يُحدّد “حزب الله” طريقة تعاطيه مع الدولة اللبنانية في المرحلة المُقبلة، خصوصاً في ظلّ التطورات الأخيرة سواء على مستوى الانهيار الاقتصادي او على مستوى تداعيات حراك 17 تشرين الذي استطاع بلا شك أن يغيّر جزءاً من مزاج الرأي العام. ولعلّ تحديد الحزب لهذا الخيار سيُحدث فارقاً في العديد من القضايا ونتائج بعض الاستحقاقات السياسية ،وحتى في واقع لبنان الاقتصادي والمالي.
لكن، وبعيدا عن القرار الذي سيتّخذه الحزب للمرحلة المُقبلة، يبدو أنه في هذه المُهلة التي تفصل لبنان عن الانتخابات النيابية سيلعب دوره في تحسين شروطه التفاوضيّة تمهيدا للتسوية الاقليمية وربما الدولية التي ستعيد ترتيب التوازنات والحصص في الإقليم بشكل مفصّل.وبحسب المصادر، فإن ثمة رؤية داخل “حزب الله” تعتبر أن الواقع اللبناني مُقبل على مفاوضات وتفاهمات تفضي الى تعديل جوهريّ او عرضيّ في أساس النظام، وعليه فإن الأمر يستوجب قوة في أوراقه التفاوضية وقدرة على استخدامها في أي وقت وظرف.
من يراقب سلوك “حزب الله” في الدولة اللبنانية لا سيما في المرحلة الاخيرة يلاحظ جيداً أنه يعمل وفق استراتيجيتين متناقضتين؛ الاولى تتمثل بعدم التدخل في أدق التفاصيل كما كان يفعل في السنوات السابقة ما يمكّنه من تجنيب نفسه الاشتباك مع الخصوم ويقطع الطريق على هذه القوى من أن تضعه في مواجهة الرأي العام باعتباره الحزب المُهيمن على الدولة. اما الاستراتيجية الثانية، فتتعلق بفرض شروط “حزب الله” بطريقة او بأخرى، اذ انه استطاع طوال المرحلة الماضية ان يمنع اخراجه من السلطة التنفيذية.اضافة الى ذلك، يبدو ان الحزب يحاول أيضاً الاستفادة من مسألة التطبيع مع سوريا والتي يدفع باتجاهها بكل قوته داخل المؤسسات وخارجها ساعياً الى إعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين والتنسيق الكامل بين الحكومة اللبنانية الرسمية والدولة السورية.ومع كل هذه المساعي لا يمكن تجاهل محاولات الحزب لتكريس فكرة وجوده داخل المنظومة الاقتصادية في لبنان وذلك من خلال استيراد النفط وربما العديد من أساسيات الحياة الأخرى لاحقاً، الأمر الذي يجعل “حزب الله” قادراً على التفاوض بشكل اقوى في أي تسوية مقبلة سواء كانت ستطال اصل النظام او ترتيب التوازنات وتحديد موازين القوى والحصص في المنطقة.