كتب المحرر السياسي: بكلام عالي السقف، استهلّ وزير الخارجية الإيراني زيارته إلى لبنان، متحدّثًا عن “كسر الحصار الظالم” الذي يتعرّض له في هذه المرحلة الحسّاسة من تاريخه”، قبل أن يتوّجها بطرح قديم جديد على خط أزمة الطاقة، يقوم على بناء معملين لإنتاج الكهرباء في غضون 18 شهرًا فقط لا غير، أحدهما في بيروت والثاني في الجنوب.
وعلى هامش الزيارة، التي كان لافتًا أنّ مجموعة من اللبنانيين استبقتها بـ”مسيرة احتجاجية”، انصبّ تركيز وزير الخارجية الإيرانية على “ثابتة” شبه وحيدة: إيران “واثقة” بقدرة لبنان على تجاوز ظروفه الصعبة، وهي “جاهزة” لمؤازرته ومساندته “إذا طلب منها ذلك”، وهي “لن تبخل عليه” بأيّ دعمٍ تستطيع أن تقدّمه له.
وفي مقابل “الثوابت” الإيرانية التي قد لا تكون جديدة، “ثابتة” أخرى ركّز عليها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قوامها أنّ لبنان “يرحّب بأيّ جهد من الدول الشقيقة والصديقة”، طالما “يندرج في سياق مساعدته في الحفاظ على منطق الدولة ومؤسساتها الدستورية ودورها في الحماية والرعاية وتقوية قواها الشرعية الأمنية والعسكرية”.
“جرعة دعم” معنويّة
قد يكون كلام الرئيس ميقاتي معبّرًا في هذا الاتجاه، فلبنان المتمسّك بـ”علاقات طبيية بين الدول تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة في ما بينها بما يخدم تطلعات شعوبها”، وفق كلامه أيضًا، حريص على أن تنبثق أيّ مساعدة تُقدَّم للبنان من وحي هذا “الالتزام” الوطنيّ والرسميّ والشعبيّ بالدرجة نفسها.
من هنا، يعتقد كثيرون أنّ “جرعة الدعم” التي قدّمها وزير الخارجية الإيراني للبنان، في زيارته، تبقى “محصورة” في الزمان والمكان، لأنّ أيّ “ترجمة” لها قد تكون مُستبعَدة في المدى المنظور، علمًا أنّها ليست المرّة الأولى التي تقدم فيها إيران عروضًا للبنان، لكنّها تدرك قبل غيرها، صعوبة تنفيذها بالنظر إلى العقوبات الدولية المفروضة على طهران، والتي تضع كلّ دولة تتعامل معها بصورة رسميّة في دائرة الخطر.
ومع أنّ “خرقًا” سُجّل في الآونة الأخيرة على خطّ “المازوت” الإيراني الذي تولّى “حزب الله” استيراده، على طريقته الخاصة، بعيدًا عن القنوات الرسمية المُعتمَدة من الدولة اللبنانية، فإنّ “تعميم” هذا النموذج ليشمل “الخدمات” الأخرى التي تتعهّد بها إيران قد لا يكون مُتاحًا في المدى المنظور، خصوصًا أنّ بناء المعامل على سبيل المثال، لا يمكن أن يتمّ من دون المرور بالقنوات الرسمية، علمًا أنّ عبد اللهيان نفسه كان واضحًا باشتراط “الطلب الرسمي”.
العلاقة مع العرب
وإذا كان من المُستبعَد انطلاقًا ممّا سبق، أن تؤدّي زيارة رئيس الدبلوماسية الإيرانية إلى أيّ “خرق” يُذكَر، طالما أنّها “منعزلة” عن الجهود الدولية المبذولة لمساعدة لبنان، وسط خشية لدى البعض من أن يؤدّي أيّ دخول إيراني على الخط إلى “فرملة” المبادرات والوساطات، فإنّ هناك من توقف عند “مفارقة” أخرى برزت على خطّ الزيارة، في ضوء التركيز على العلاقة الإيرانية مع العرب، التي قد تشكّل “مفتاح” الدخول إلى لبنان.
في هذا السياق، كان لافتًا أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون نوّه خلال لقائه عبد اللهيان بدعم لبنان للجهود التي تبذلها إيران لتعزيز التقارب بينها وبين دول المنطقة، لاسيما العلاقات مع الدول العربية، وكذلك فعل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي رحّب باسم الحكومة اللبنانية بـ”المناخات والأجواء الإيجابية التي سادت جولات الحوار بين ايران والمملكة العربية السعودية والتي استضافها العراق.
وقد تكون “الرسائل” الكامنة خلف إصرار القيادات اللبنانية على تشجيع “الحوار والتلاقي” أهمّ ما انطوت عليه الزيارة، خصوصًا أنّ كثيرين يعتقدون أنّ لبنان كان من بين “أكبر المتضرّرين” من تدهور العلاقات، خصوصًا بين السعودية وإيران، وذلك بفعل “الانقسام العمودي” الذي يُعتبَر من “ميزات” لبنان، وبالتالي فإنّ عودة العلاقات إلى مسارها السليم من شأنه أن يؤدّي تلقائيًا إلى عودة “الأشقاء والأصدقاء” إلى “قلب” لبنان.
قد تتباين الآراء بزيارة وزير الخارجية الإيراني، وقد تتناقض التفسيرات لأجندتها والأهداف المقصودة من ورائها، والتي وضعها البعض في سياق “معارك” ربما تكون أكبر من لبنان أساسًا. لكنّ الأكيد أنّ التعاطي الرسميّ مع الزيارة قد يكون أسّس للخرق المنشود، خرق ينطلق من تمسّك لبنان الرسميّ بمنطق الدولة ومؤسّساتها، ويتجاوزه لتوجيه رسائل “الطمأنة” إلى الخارج القريب والبعيد، على حدّ سواء!